طريق النهضة
و فهم الواقع
د.جاسم سلطان
-----------------------
الشباب يسأل هل سيتركوننا ننهض!! والضمير هنا يعود لقوى متعددة، شاع في الفكر الإسلامي المعاصر أنها هي سبب ما نحن به من ضعف.وبالتالي انعكس خطاب المؤامرة من أداة لتجريم الآخر لأداه لنزع السلاح النفسي للشباب العربي والمسلم! الشباب يسأل ما دورنا في النهضة ؟ ما هي الواجبات التي يجب أن نلبيها لتحدث النهضة ؟ والسؤال هنا في غاية الأهمية ما لم يكن مطلب للتعجيل بإجابة من نوع سريع بسرد قائمة من الاحتياجات الآنية دون إطار معرفي حاكم. وأنا هنا لا أتكلم عن موسوعة معرفيه قبل البدء، ولكن ساعة من الزمن من إتقان الفهم ،وبعدها فليكن الانطلاق للعبادة بمعناها الواسع .
و في ضوء السؤالين السابقين أصبح أمامنا مهمتان واضحتان:
* فك مشكلة اليأس.
*المساعدة على تحديد الأدوار وأولوياتها.ويعترض موضوع الإقلاع تحدي جوهري متعلق بموضوع الصبر. الشباب في غالب الأحوال لا يمتلك أداة الصبر. والصبر ضروي على الأقل لمدة ساعة، قبل الإقتراب من زحزحة هذين السؤالين الكبيرين، وليس ذلك غريبا على الشباب ولا على العصر أن ينتج هذا النمط من التفكير! بل أن التعليم المدرسي بات الآن يقدم كوجبات سريعه، فكيف بغيره!؟ والغريب أن يصبح هذا النمط سائدا في أغلب قطاعات المجتمع، وعلى جميع المستويات. فتجارب النهوض الكبرى من اليابان أو الصين أو الهند أو تركيا أو ماليزيا أو سنغافورة حاضرة للقراءة، وجوهرها بنية تحترم هويتها الذاتية ولا تخاصمها، وعناية بالعلم والمشاركة فيه، وعناية بالعمران طالت كل نظم الحياة، وبناء قدرات ذاتية للدفاع عن هذه المكتسبات. ولكن حين ننظر لتطبيقات التحرك للنهضة في المجتمعات العربية سنجد تشوهات كبيرة في المساحات الأربعة. سنجد كراهية للذات الحضارية وانتقاص مستمر من قوة الهوية.نجد نظرة للعلم قاصرة تضيفنا لقائمة المستهلكين للعلم لا المنتجين له.
فلا تعدوا علاقتنا بالعلم التبضع من معروضات الأمم الأخرى.نجد قصور في تطوير المنظومات القيمية المحروسة، والمنظومات القيمية المرجعية وتطوير نظم الحياة معها. والاكتفاء بعمران الحجارة والإسمنت. سنجد استقالة من بناء القوة الذاتية، وتنميتها للدفاع عن أي مكتسبات والاستعاضة عنها بمنظومات هشة سرعان ما تتبخر عند أول اختبار. ولعل شيئا من ذلك راجع لاستسهال الحلول والاكتفاء بمقاربات سطحية لعمليات التحولات الكبرى. وانظر كيف تقزم مفهوم التنمية البشرية عندنا ليصبح مفهوما يعتني بالمكملات على حساب الجوهر! انظر لبرامج التدريب التي تقدمها أغلب برامج التنمية البشرية في بلادنا ستجدها نسخا من برامج التدريب التي تقدم في أمريكا وأوروبا.
هي هناك عمليات صنفرة أخيرة لمنتج عقلي سهرت عليه مؤسسات البيت والمجتمع والإعلام والمدرسة. فصاحبنا هناك تم تركيب النظم المعرفية التي تناسب الدور الذي يحتاج أن يقوم به، ويحتاج بعدها فقط لصقل المهارات فالأمر مفهوم. أما نحن فنعيش في بيئات فقيرة في مدخلاتها المعرفية، ونتعرض بعدها للعالم الخارجي برياحه وأعاصيره فما ينقصنا ليس المهارات وحدها ولكن منظومة معرفية مركزة أولا، ومن ثم تتويجها بالمهارات. ولكن ككل شئ في حياتنا نترك الجوهر ونتمسك بالقشور (روح الإستسهال). ولندخل في صلب الموضوع ... من السهل أن نقول للشباب هذه قائمة الواجبات. سدوا لنا هذه الثغور، ولن نعدم بعدها خلافا: حول من حدد هذه الثغور؟ وعلى أي أساس تم تحديدها ؟ وعلى ذلك يلزم عمل تحرز مسبق حتى لا نعود لنقطة الصفر في كل مرة ! ولبيان ذلك نحتاج لتوضيح عدد من النقاط. وسنقدم لها بسؤال ما الفرق بين الشاب الصيني والعربي اليوم في موضوع النهضة من ناحية التفكير والدافعية؟ ففي وضع الشاب الصيني هناك دولة قد حددت مشروعا كبيرا. مخططا عاما لمسارات عالم الأفكار وعالم العلاقات وعالم المشاريع. وعندها فالشاب المهتم بفكرة رفعة الأمة الصينية سيجد طريقة لتوظيف موهبته في داخل المشروع، ولن يسأل عن الجدوى لأنه يعلم أنه جزء من مشروع متكامل الأركان. نقطة الانطلاق والرؤية الكلية متوفرة للجميع وبالتالي لن يسأل أحد عن المعنى والغاية وهي الجزء الأهم في الدافعية والنشاط والتجويد والتحسين.
أما شبابنا ( القطاع الذي يفكر منه) من يطلق عليهم فئة المهتمين وهم عماد نهضات الأمم، فيجد نفسه أمام سؤال حائر! أين يجب أن أوظف طاقتي؟ وأي المشاريع ستعني شيئا لمسار لم تتحدد معالمه؟ وما الجدوى من العمل الفردي الجيد أو حتى المؤسسي الجيد في وسط غياب تام للمشروع الكلي الحاضن!؟ هكذا يضيع المعنى بغياب المسار وتضطرب الصورة ويفقد الشباب فاعليته وقدرته على التجويد والتحسين والإبداع فهو دائما يتساءل (ما الجدوى؟) أو ما يقابلها باللهجة الدارجة. لكن هل نهضات الأمم تمت فقط تمت باحتشاد الدول بشكل مركزي وتوفير المناخات الرائعة للعمل والإنتاج؟ هل هناك سيناريو آخر منتج وقابل للتطبيق يخرجنا من مسار الحيرة في غياب المشروع العام الذي تقدمه الدول أو ضعفه (فقد يكون هناك مشروع عام ولكنه ضعيف لم يتحول لقوة دافعة ومحركة للمجتمع، مشروع رهن الأدراج وليس مشروع تحريك عقول وطاقات).
هذا هو المسار الذي يجب أن نكتشفه في هذه المرحلة من عمر الأمة، ونستوضح معالمه. وهو ما ستحدث عنه قبل الحديث عن قائمة المهام التي تنتظر أبطالها لأن قائمة المهام ستتعرض لذات السؤال (ما الجدوى) لو قيلت بدون مقدماتها ! لو نظرنا في المسار الإسلامي سنجد مرحلته الأولى وهي مرحلة البذور التأسيسية للنهضة في مكة مرحلة حبلى بالأفكار التي شكلت افتتاحية العصر (اقرأ ...القلم ...انظر ...تدبر...برهن...حاور مقولات الأقدمين ولا تقدسها...السببية ...الترابط ...الكون الذي يعرض نفسه للقراءة ...مفهوم الكرامة الوجودية الإنسانية...مفهوم العدل ...مفهوم الإحسان...مفهوم الشورى ...مفهوم المساواة ...مفهوم الجزاء ...وامتد مفهوم الأمم ليشمل كل المخلوقات فكلها أمم وكلها لها حقوق) قائمة طويلة من الإصلاحات ضخت في المجتمع المكي ومن بعده المجتمع الإنساني، في فترة قصيرة من الزمن.فكيف استقبلها هذا المجتمع؟ كلنا يعرف القصة والصراع عبر الثلاثة عشر سنة الأولى من المشروع. ولم تكن رحلة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ولا البخاري ولا الحارث المحاسبي ولا المعتزلة ولا الأشاعرة ولا جابر بن حيان ولا الرازي ولا ابن سينا ولا ابن تيمية ولا ابن الهيثم ولا ابن خلدون رحلة سهلة، ولا ولدوا في عصور احتضنت إبداعاتهم وحددت وجهتها في مسار احتشاد تقوده الدولة (لم تكن قد ولدت بمفهومها المعاصر بعد) فلكل من هؤلاء العظماء قصة ألم في عصره.
هنا سنجد المبادرة الفردية أو شبه المؤسسية حاضرة وهي التي أعطت المعنى والروح للحضارة وهي التي بعثتها. ولو نظرنا لمسيرة التطور في أوروبا من سقراط لروجر بيكون لكوبرونيكس لجاليليو ولديكارت و لسالوس للافاوزيه،سنجد كل هذه الإبداعات والمساهمات الفردية تمت في بيئات صعبة. و كل هؤلاء ساهموا في صناعة النهضات في مجتمعاتهم في ظروف صعبة لم يكن هناك فيها خطة مركزية لإحداث التحولات. ولكل منهم قصة ألم في عصره رواها التاريخ، كانت أشبه بقطرات كل منها يضيف بعدا جديدا للحياة ويحدث زلزالا من نوع ما، موجات مد (تسونامي) له ما بعده. إنها مبادرات صغيرة ومتوسطة وكبيرة ولكنها لم تصل لاحتشاد الدولة . دعونا نطلق على هذه المسارات التي تلعب فيها المبادرة التي لا ترعاها الدولة مباشرة (مسار التراكم ) وهاقد رأينا نموذجين له من حضارتين مختلفتين:هو مسار فردي بامتياز ( وعندما نقول فردي نقصد به ما دون الدولة وإلا قد يأخذ أي شكل ابتداء من الإنسان الفرد المبدع أو الفرد الذي ينشئ مؤسسة وبنية يقوم من خلالها بدور أو حتى مبادرة جزئية تتبناها الدولة من غير مسار كامل). ذلك هو أول المفاهيم التي يجب الإستيثاق من فهمها.
هو إجابة على سؤال المسار الذي نتحرك فيه كأفراد (في غياب مشروع جامع مركز كالذي أنتجته الصين أو ماليزيا أو سنغافورة ) وهو سؤال يلقي بعبء كبير على النخب وعلى الشباب، ولكنه مسار بناء. وهو يحتاج لرؤية يتحدد من خلالها شكل المستقبل الذي يراد إنتاجه. أي المجتمعات نريد بناءه؟ وما الذي يعوق هذا المشهد من التبلور! وهذه الرؤية ستحدد لنا ما الذي يلزم استصحابه من التراث وما الذي يجب تركه. وحتى لا يطول بنا القول دعنا نتصور أن إجابة هذا السؤال حاضره. نريد مجتمع مرجعيته محكمات الإسلام. نريده مجتمع الفضيلة والعلم. نريده مجتمع القانون والعدالة. نريده مجتمع الشورى. نريده مجتمعا له هوية. مشترك في الإبداع العلمي. فيه نظم صالحة تحقق الكرامة الإنسانية للجميع. قادر على الدفاع عن نفسه.
رؤية مثل هذه ستعني الكثير من المراجعات. ولنأخذ نموذجا واحدا نطل منه على حجم المهمة التي تنتظر الجميع وهي (نريد المجتمع العالم) في حال الإجابة بنعم على الرؤية السابقة، إنها ستعني مراجعة جذرية للتراث والتأكد من أن ما نتداوله اليوم منه لا يشكل خصما من فكرة المجتمع العالم. فلو فرضنا أن جزء من الوعي العام في التراث، أقول لو فرضنا ذلك، يقول أو يؤدي إلى التهوين من العلوم التطبيقية بأي شكل من الأشكال، أو يصادر فكرة السببية نصا أو روحا، أو يجرم التساؤل ويطالب بالتسليم ألسكوني نصا أو روحا، أو يعلي من شأن الأمية نصا أو روحا، أو يخلق مجتمعا يقوم بإرهاب المختلف فكريا لمجرد الاختلاف. عندها هل سنبحث عن تؤيلات لمثل هذه الأقوال وسنبقيها في فضائنا الذي نصنعه أم سنعمل على تنقيته منها!؟ تلك لعمري مهمة تحتاج للكثير من التجرد والإخلاص لله وللحقيقة. وهي تلقي بسؤال على الحاضر أيضا، هل مساراتنا المعرفية اليوم تنتج لنا ما نريده من مجتمع العلم والمعرفة؟ وهل نظمنا التربوية تحررت من التقليد التنميطي أم هي تعيد إنتاج التخلف في قوالب جديدة؟ ولو صادف إننا اكتشفنا ذلك، هل سنعمل على التغيير أم سنستمر في ذات المسار!؟ وقس ذلك على بقية المسارات التي تحتاج لتحرير على مستوى التراث الحي أو على مستوى الممارسة العملية. وهذه المهام كلها تحتاج من يتصدى لها، بل تحتاج لجيل من الكتاب والمفكرين. وهي مهمة تنتظر الشباب بفارغ الصبر وليكن عنوانها ( كن مشروعا) أو (كون مشروعا) أو ( ادعم مشروعا ).
كن مشروعا: فهذا سيصبح علما في المجال التراثي، وهذا سيصبح علما في مجال العلوم الإنسانية، وهذا سيصبح علما في مجال العلوم التطبيقية.مسار يتفتح على مهام لا حصر لها. كل بطل سيصبح لسانا للمرحلة الجديدة افتتاحية عصر في مسار الأمة. لن يعيد تكرار ما قيل، بل سيفتح آفاق السؤال في قارات المعرفة يرتاد بنا صحاري لم تطأها إقدام وسماوات و وهاد وسفوح وكهوف. رواد في خارطة معرفية جديدة تمثل امتدادا وانقطاعا في ذات الوقت. وهل قصة الحضارة في جوهرها إلا قصة هؤلاء الذين لم ينتظروا إذنا من أحد ولا شهادة مرور! أبطال اقتحموا العصر، نفذوا لروح الحضارة وتواصلوا معها. وهي روح متمردة تقر بالصيرورة وليس بالنهايات. لا يأتي احد بجديد إلا وأتت بأحسن منه. فكل حل هو بداية لسؤال وكل سؤال هو بداية لحل (أيكم أحسن عملا).
كون مشروعا: ذات المهام يمكن أن تكون لها المشاريع. وهو مستوى أكبر من الجهد الفردي. هنا تنشأ المجموعات المبدعة، والمؤسسات المبدعة، تتخصص وتغطي قدرا من الإحتياجات لا يمكن القيام بها بشكل فردي. وهي تغطي مساحات وجوانب الفكر والمال والإجتماع. إنها تعمل حيث تجد النقص وتعمل في حدود ممكناتها، وتعمل من ضمن الرؤية الكلية التي تحدثنا عنها. وحسبها معرفة الرؤية ومعرفة المسار. فهنا شخص سينشئ مركزا لبحث، وهنا شخص سينشأ مؤسسة للتعليم النوعي، وهنا شخص سينشئ مركزا للتدريب النوعي، وهنا شخص سيطور اختراعا، وهنا شركة ستتبنى اختراعا وتوصله للسواق، وهنا مؤسسة لن تقف بالعمل الخيري عند سد حاجة المعوزين والبطون الجائعة، بل ستنقلهم من انعدام الفاعلية للفاعلية.
ادعم مشروعا: وكل المشاريع تحتاج لروح جماعية من الدعم بالجهد والوقت والمال. ولكل دور في طريق التراكم النهضوي. فمن يستطيع العمل بمفرده له دور فليكن، ومن يعمل مع غيره فليفعل ومن يستطيع أن يقدم الدعم لمن يعمل سواء كان فردا أو مجموعة فليفعل.
هنا من يملك الفكرة سيقدمها ويحسبها نصيبه من التطوع، ومن يستطيع تحويلها لمشروع سيحولها وهو نصيبه من التطوع، ومن يستطيع تمويلها سيفعل وهو نصيبه من التطوع، ومن يستطيع تسويقها. ومن يستطيع تطويرها. كل شئ قابل للتطوع وكل يزكي مما بلغ فيه النصاب. وهنا يأتي السؤال المعرقل هل سيتركوننا نعمل؟ حين نتأمل في السؤال يبدوا مشهد مركب من نظرية المؤامرة ومن اللا منطق ومن فقدان الروح.
أما نظرية المؤامرة فقد كرستها كتابات كثيرة جعلت الواقع يبدوا مستحيلا، وهي بدل أن تفضح مخططات الخصم حولته لوحش لا يقبل الهزيمة. جدار مصمت من الذكاء والشر غير قابل للتحدي.إن جوهرها يقول (أنج بنفسك واترك العمل فالشباك والشراك لا يفلت منها أحد) هي سلاح اخترعه بعض الصالحين بحسن نية أو قل بسذاجة متناهية، فأصبح هو أداة القعود. هو شكل من التهويل يقود للهلاك ولكن قلب نظرية المؤامرة لو خففناها لحدود العقل، هي أن الملعب مليء بالمصالح المتناقضة، وأن كل لاعب يخطط ويحتال ليفوز فريقه.
وهنا يدخل عنصر اللامنطق ليطالب بقية الفرق أن تسمح لنا بأن نسجل أهدافا في مرماها، ونرجوها أن توقف لا عبيها من التسجيل في مرمانا! هل يمكن لفريق يفكر بهذه الطريقة إلا أن يكون هازلا!؟ وهل الدخول للحضارة يتم بالتسول وبهذه العقلية!؟ هذه نظرة ... والنظرة الأخرى نحن أشبه بمن لم يدخل الإبتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة والماجستير والدكتوراه وهو قلق على أن لا يسمح له بأن يخوض فيما بعد الدكتوراه! من يمنعنا أن نمارس الذوق! من يمنعنا أن نحترم الإختلاف! من يمنعنا من أن نمارس النظافة! من يمنعنا أن نعتني بمدارسنا وجامعاتنا! من يمنعنا أن نحترم كرامة الإنسان! إن مهام النهوض الكبرى هي من الممكنات وليست من الأمور التي تستدعي القلق. ولكن اختلاط الأوراق يسمح لكثير من الأوهام المعطلة أن تمنع الإنطلاق. وأخيرا ماذا نفعل ؟ على الأرض وفي واقع الحياة الواجبات تتشكل من خريطة واسعة من الأشياء التي نحتاجها.
وكم من الأشياء الجميلة في الإسلام تشهوت بفعل إفهام العصور حتى لم يبق منها إلا المسميات. أسماء وذكريات ...هل نذكر (إقرأ) التي فتحت عقول البشرية كيف اعتراها الكلال عندنا وقتلت روحها وهي السؤال المفتوح على المعرفة، والتي تجعل كل سؤال هو بداية جواب وكل جواب هو بداية سؤال. هل نذكر (وكلكم آتيه يوم القيامة فردا ) كيف تم التصرف فيها حتى أصبح الإنسياق وراء السائد دينا دون وعي بالمسؤولية الفردية. هل نذكر ( ما كسبت يده ) كيف يتم احتقار العمل اليدوي! هل نذكر قيمة العدل والحرية والمساواة والشورى!! وما آلت عليه في خير أمة! كيف انتصرت نظرية الجبر ونظرية فك الأسباب عن النتائج! ففقد إنساننا فاعليته وخرج من التاريخ.
كيف نمتلئ بالغرور وواقعنا يدعوا للرثاء ويصدق فينا قول الشاعر(دع المكارم لا تذهب لبغيتها ...واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي) فمن تصحيح العقائد وتجديد النظر فيها، مرورا بالعبادات وتفعيلها وتفعيل دورها الحضاري وتحديد القيم الحضارية المطلوبة، سواء المرجعية منها والمحروسة، وتجديد المنظومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التعليمية والإعلامية والصحية والبنى التحتية وانتهاء بنظم الدفاع الاستراتيجي ومنظومات القوة المصاحبة لها كلها مهام تنتظر من يقوم بها. وبالتالي فكل جهد فكري أو مادي أي مترجم لمشاريع ملموسة فهو خير. ولكن يبقى السؤال ما هي أولويات المرحلة؟ إن أول الأولويات للشباب تكمن في أمرين ( في هذه المرحلة ):
* الفهم لأفكار النهضة الكبرى.
* التبسيط والتمرير للشباب.
نحن نحتاج أن نشكل وعيا جديدا، يسمح لأكبر كتلة من الشباب أن تتحول لرافعة للنهضة، وهي مهمة ممكنة اليوم أكثر من أي يوم مضى. وبالتالي نحتاج فيها لرافعة وطاقات تحسن التلقي، وطاقات تحسن التبسيط والتحويل، وطاقات تحسن النقل والتوصيل. إن مشروع النهضة الحقيقي لا يكون حقيقيا إلا إذا عبر من بوابة الوعي، رؤية علمية مصقولة، وفهم للواقع مفكر فيه، وفهم للدين نقي كيوم أنزل، ومهارة في التعامل مع الواقع. تلك هي معادلة النجاح، وتلك هي المهمة التي نحتاج الشباب فيها. لأنها اللحظة التي تلتقي فيها أفكار النهضة مع الحساسية الجماهيرية، وبالذات الشباب منهم ويتمثلوها ويكتشفوا إمكانياتهم وما أودعه الله فيهم من طاقات عندها يصبح طريق التراكم طريقا يقود للإحتشاد ومن بعده ندخل التاريخ.إنها اللحظة التي نكتشف فيها الدين الحق.