من قوانين النهضة
عبقرية اقرأ
سلطان بن عبدالرحمن العثيم
مدرب ومستشار في التنمية البشرية وتطوير الذات CCT
عضو الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير ASTD
Sultan@Alothaim.Com
------------------------------------------------------------------------
المتأمل للأمم العظيمة والشعوب الكريمة والمجتمعات الناهضة ذات القوة والمعرفة والنفوذ والهوية والمكانة يجدها فعّلت قوانين النهضة، وأخذت بالأسباب وأطلقت الطاقات واستثمرت القدرات لكي تكون على رأس القائمة وفي مقدمة الركب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً.
ومن هذا المنطلق نعّرج على أحد أهم قوانين النهضة التي يجب أن نعطيه حقه ومستحقه على مستوى الفرد والجماعة, الحاكم والمحكوم, الرجل والمرأة, الصغير والكبير. فهو وقود وعتاد, سلاح وزناد, المقبل عليه سعيد ناجح ظافر, والمدبر عنه تعيس فاشل خاسر.
ألا وهو قانون اقرأ.إنه قانون السماء لأهل الأرض, أنزل الله تعالى هذا القانون حتّى نشعر بأهميته وقوته ومفعوله السحري علينا، فكيف ينشد السعادة من فقد مفاتيحها وينشد القيادة من لم يمسك بأسبابها والنجاح من لم يطبق معادلاته؟
لقد خلق الله تعالى الإنسان من روح وجسد وعقل وعواطف, وجعل لكل جزء مهام واحتياجات. فلا توازن يصنع الطمأنينة والراحة والسعادة بين جميع هذه المكونات إلا عندما تلعب وظائفها وتستوفي احتياجاتها، ومن هنا نقول إن القراءة ليست احتياجاً عقليا صرفاً فقط بل احتياج روحي وعاطفي وجسدي أيضاً، وهنا تكمن الأهمية البالغة في هذه القضية الهامة والحساسة التي أتمنى أن يعطيها القارئ الكريم حقها، ويعيد النظر في عادته وممارساته وعلاقاته مع خير صديق في الزمان: الكتاب.
وهنا نورد بعض الأفكار الهامة التي سوف تكون مدخلنا لهذا العالم القيم والممتع بإذن الله:1- ابدأ القراءة في الفنون والعلوم التي تحب هنا تكون القراءة متعة وفائدة، فلكل منا اهتمامات وهوايات ورغبات، وتكون القراءة كذلك عادة يومية عندما ترتبط بما نحب ونهوى وبما نفتش عنه من تساؤلات أو أفكار جديدة تجدّد ألوان حياتنا وتغني ثمارها. وبعد أن تصبح القراءة عادةً لك انطلق في تنويع مجالاتها.
2- تدرّج في القراءةلا تجبر نفسك على عدد معيّن من الصفحات بل تدرّج وسوف تجد نفسك تزيد أكثر مع الأيام لما تلمسه من متعة نفسية ورفعة عقلية واتساع فكري ومعرفي وقوة في الشخصية والمنطق والحجة, ورشد في القرار والتوجه, وحكمة في الحياة والمعيشة. ولا تجبر نفسك على قراءة جميع الكتاب بل اختر ما يناسب اهتمامك ومبتغاك عبر فهرس الكتاب, وإن أتممته كاملاً فتلك الغاية والمغنم.
3- تعلم تقنيات القراءة السريعةوهي من نعم الله علينا في هذا العصر حيث تختصر الوقت وتزيد من التحصيل والاستفادة وترفع قدرة الإنسان في القراءة والاطلاع إلى حوالي 10 أضعاف طاقته السابقة أو أكثر، وهذا يجعلنا أمام فرصة كبيرة لإنجاز الكثير في وقت قصير.
4- دوّن الملاحظات والآراء على حواشي الكتاب للحفظ والمراجعةاجعل من قلم الرصاص رفيقاً لك في القراءة ودوّن ما أجاد به المؤلف وتميز، بالإضافة إلى المعلومات الهامة والجديدة. سيساعدك التدوين على الحفظ والاسترجاع, فالعلم صيد والكتابة قيده كما يقول العلماء. بالإضافة إلى أن ذلك يساعدك على سرعة الرجوع إلى هذا الأرشيف واستخراج الفوائد التي لخصتها من هذا الكتاب جنباً إلى جنب مع آرائك الشخصية حول محتويات الكتاب سواء ما تقبله أو ما ترفضه من طرح المؤلف.
5- استخدم استراتيجيات التكامل بين الكتاب والموقع والشريط والبرامج المصورةتقدّم العلوم والمعارف في صيغ مختلفة متنوّعة, منها الكتاب والصحيفة والمجلة والموقع الإلكتروني ومنها الدورة التدريبية والشريط والمشهد المرئي والبرنامج المصور وغيرها وهنا نؤكد على أهمية الاستفادة من جميع الأوعية المعرفية لتشكيل الوعي لدينا وتحقيق التقدم المنشود في الفكر والسلوك والمنطق وطرق الحياة على مستوى الفرد والمجتمع.
6- فكّر في القراءة في أوقات الانتظار وساعات السفر والتنقلكثر ما تصادفنا أوقات للانتظار في المطارات والمستشفيات والرحلات هنا وهناك، فعلينا تغيير عادة تضييع وقت الانتظار في التذمّر أو في الجلوس و إمعان النظر في القادم والذاهب والنظر إلى الأسقف والجدران، ليصبح الانتظار وقتاً يستثمر في القراءة والاطلاع والاستفادة والارتقاء والتنمية الذاتية، فرب دقائق حصّلت فيها معلومة غيرت حياتك من أسفل سافلين إلى أعلى عليين فالحياة في نهاية الأمر كلمة أو عبارة أو قصة أو حدث ومن ثم يأتي التغير والتطوير والنجاح والعبقرية.
7- استفد من الخيارات التكنولوجية الحديثة في الحصول على الكتاب الإلكترونيوفّرت أجهزت الاتصالات الحديثة خاصيات وبرامج هامة لتوفير المعلومة وتيسير الاحتفاظ بها والاستفادة منها وتكوين المكتبات الالكترونية، فاستغل هذه النعمة واستخدمها في خير الدنيا والآخرة ولا تكن هذه الأجهزة فقط للهو واللعب والترفيه, فساعة وساعة أيها الأحبة!
8 – اقرأ الملخصات والمختصرات على أقل تقديرإن كنت مشغولاً جداً أو تحت ضغط عمل فلن تتطور أعمالك أو تجارتك أو حياتك إلا بالقراءة والاطلاع والتطوير المستمر ولن تكون معذوراً أبداً لعدم القراءة، فهناك الكثير من الملخصات والمختصرات لأعظم الكتب وأهم الأبحاث والدراسات فاحرص على الاطلاع عليها والانتفاع بها، ومعظمها ولله الحمد على الإنترنت, فأن تقرأ الزبدة خير من ألا تقرأ أبداً ! كن فاعلاً هماماً إيجابياً في كل الظروف.
9- احرص في اختياراتك على النافع والرافعالخيارات أمامنا كثيرة جداً منها الغث ومنها السمين فاقطفوا منها ما صفا واتركوا ما تكدر, وهنا تأتي أهمية الكتب القيمة والمفيدة والراقية والتي كتبت بمداد من نور وأحرف من ذهب في شتى العلوم والمعارف وابتعدوا عن كتب الإثارة السامجة والروايات السطحية التي لا تبني فكراً ولا شخصية ولا مستقبلاً .
ولا تحرصوا على كتب اشتهر أصحابها بأنهم أصحاب هوى متبع أو مصالح شخصية أو شهوات, واحرصوا على اجتناب أهل الارتباك الفكري أو الانحراف العقدي أو الضياع الاجتماعي ولا تدخلوا هذا المعترك إلا بعد تكوين أرضية قوية تمكّنكم من السير بأمان في حقول الألغام.
10- كوّن من مصروفك الصغير مكتبتك الكبيرةعشرون ريالاً شهرياً سوف تجعلك تملك مكتبة موسوعية فيها الآلاف من الكتب والمجلات والبحوث خلال خمسة وعشرين عاماً تجد فيها لنفسك وللعائلة ولأقاربك وأصدقائك من الدرر ما ندر وما توفر, وهي تبقى من أعظم الكنوز لك ولعائلتك. وهنا ينشأ نموذج الأسرة المثقفة الواعية الطموحة التي تنشأ في بيئة ثقافية وعلمية وأخلاقية ودينية راقية, وهو مطلب كل من يقرأ هذه الأحرف إن لم يكن لنفسه فلفلذات كبده وأولاده الذين يريدهم على أفضل حال وأطيب منزلة وأرقى مكانة.
11- تسلّح بالقراءة قبل الإقدام على أي تجربة جديدةتسلح بهذا الكنز في كل تجربة تقدم عليها من تجارة أو اسثمار أو إدارة أو عملٍ في زراعة أو صناعة أو سياحة, وفي كل خطوةٍ تقدم عليها في حياتك من زواج أو إنجاب أو تربية. فلن تفلح وأنت غارق بجهلك, وسوف تولي الدبر لا محالة إن لم يكن لديك أرضية صلبة تتكئ عليها، والعاقل خصيم نفسه.
12- كن متميزاً عن أقرانك واجعل الكتاب رفيقك الدائملا تتأثر بالثقافة الشعبية السلبية حول هذا الموضوع ولا تهتم بغمز ولمز العامة من الناس حين تخرج الكتاب هنا أو هناك, وكن مميزاً دائما فأنت تسبق مجتمعك وترفع علم الريادة والقيادة فهنيئاً لك.
13- اعرف شيئاً في كل شيء, واعرف كل شيء في شيءاعرف كل شيء في تخصصك الدقيق، وكن محيطاً وقوياً من الناحية العلمية والفكرية وصاحب حجة, وكن في العلوم الأخرى مثقفاً مطلعاً فاعرف شيئاً في كل شيء. وهذه نصيحة غالية ومجربة لأحد أهم أئمة المسلمين.
14- تمتع بالعين الفاحصة والقراءة النقدية والعقل المحلل
تمتع بمهارات القراءة النقدية فلا تقبل كل قول إلا وعليه حجة وبرهان وتجربة وتأصيل شرعي وعلمي وكن متمتعاً بفلتر قوي وحساس فلا تدخل عقلك المتشابهات وسقطات الباحثين والكتاب وجهل الجاهلين وأهواء التائهين وانحرافات الضالين وشبهاتهم, واجعل عقلك قلعة حصينة لا يدخلها إلا من تشرف به ويشرف بها. وفعّل مهارات التحليل والاستنتاج والاستنباط التي وضعها الله فيك فهي هبة عظيمة لا يكاد يُدرك وزنها، ونعمة لا حدود لعطائها ونفعها فكن فارس الرهان في ذلك.
15 - حّدث الآخرين عن فوائد آخر كتاب قرأت ما أجمل أن تكون ينبوع علم وفكر ومعرفة متدفقاً تفيد الآخرين مما استفدت وتضيف إليهم مما علمت وفهمت, وتذكر لهم أهم ما قرأت وأفضل ما مربك من الفوائد والعلوم . واجعل آخر كتاب أو مقال قرأته مدار الحديث وبوابة النقاش الجاد والحوار المثمر فكل من حولك بحاجة إلى الكنز العلمي الذي تحمل، وزكاة العلم تعليمه.
إحصائيات مهمةمعدل قراءة المواطن العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط ، في الوقت الذي تبين فيه أن معدل قراءة المواطن الأمريكي 11 كتابا، والبريطاني 7 كتب في العام!!
وأثبتت الدراسات أن الطفل العربي لا يقرأ سوى 6 دقائق سنوياً خارج المنهج الدراسي رغم ما للقراءة والمطالعة خارج المنهج من أثر كبير على المستوى التعليمي للطالب، ويقرأ كل 20 عربيا كتاباً واحداً بينما يقرأ كل بريطاني سبعة كتب أي ما يعادل ما يقرأه 140 عربي! ويقرأ كل أمريكي 11 كتاباً أي ما يعادل ما يقرأه 220 عربياَ للأسف.
وبينما تنفق الأسرة اليابانية حوالي 80 % من دخلها على التعليم تنفق الأسرة الخليجية حوالي 50 % من دخلها على الترفيه والوجبات السريعة!!
محبرة الحكيمالجهل يجعل الإنسان عدو نفسه, متخبطاً في المسير, تائهاً في الحياة , فاشلاً في القرار, متناقضاً في التفكير, سيئاً في التنفيذ. أنت في نهاية المطاف وعاء أيها الإنسان، إن لم تملأ علماً وفكراً وإيماناً غمرت جهلاً وتيهاً وضياعا.