شروط النهضة
- من كتاب مالك بن نبي --
-------------------------------------
نظرا لسوء حال المجتمع الجزائري والوطن الإسلامي في القرن الماضي بسبب الجهل والخرافات والاستعمار ولإدراك مالك بن نبي كمفكر خطورة الوضع، سارع لمعالجة إشكالية النهوض في كتابه "شروط النهضة" الذي ظهـرت طبعته الفرنسية سنة (1948)،وترجمه للعربية عمر كامل مسكاوي وعبد الصبور شاهين في 160صفحة.
قسم مالك بن بني كتابه إلى بابين (الحاضر والتاريخ)و( المستقبل) وثلاث عناصر هي (الإنسان والتراب"المادة" والوقت) وأخيرا(الاستعمار والشعوب المستعمرة)
في الباب الأول( الحاضر والتاريخ) بدأه بأنشودة رمزية تقول"أي صديقي: لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق، وكل من يستيقظ بدا يتحرك وينتفض في حذر وملابسة الرثة.."
في أول عنصر وهو "دور الأبطال" حيث استحضر مفهوم البطل في الإلياذة والأوديسة الذي يقاتل ويصارع حتى الموت لدوافع دينية وإنسانية بحتة دون إحراز النصر، مؤكدا أن محاربة الاستعمار في العالم العربي والإسلامي كان شبيها بقتال الأبطال الإغريق، أي أنه قتال محكوم مسبقاً بالهزيمة، وأعطى مثالا عن محاربين جسورين هما الأمير عبد القادر والمجاهد عبد الكريم الخطابي مؤكدا أن حركتهما التحررية لم تعالج جذور المشكلة، وأن جمال الدين الأفغاني هو من انتصر "بالفكرة"، قائلا في هذا الصدد:"إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته،ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلة ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية،وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبنى الحضارات أو تهدمها". كما تطرق إلي دور السياسة والفكر وتحدث عن أثر الكلمة وما تنتج عنه من فوائد للفرد والمجتمع. ومما ورد فيه "إن تكوين الحضارة كظاهرة اجتماعية إنما يكون في الظروف والشروط التي ولدت فيها الحضارة الأولى".
وفي دور الوثنية ركز على الزوايا والأضرحة التي تعج بهما البلاد والي الدراويش الذين يصدقون تلك الخرافات وصورة الوثنية الجديدة متخذتا الطابع السياسي والأصنام المزوقة بأسماء جديدة ،ومن أقواله في هذا الصدد "غير نفسك تغير تاريخك" ،وتميز منهجه بالمنطق الصارم والتأمل العميق والقدرة على التحليل.
”إننا بدل أن نبني حضارة، قمنا فقط بتكديس منتجاتها، لم تكن النهضة الإسلامية بناء، بل تكديس المواد، فيمكننا القول إذن: إن عمر نهضة العالم الإسلامي قارب القرن من الزمن ولم تصل لهدفها، مثل مجتمعات انطلقت من نفس النقطة، إن ذلك ليس بسبب الوسائل، بل بسبب الأفكار. وما أكثر الأشعار التي نظمناها للتغني بنهضتنا، بدل السعي الحثيث مثل اليابان الذي حقق نجاحات باهرة … نعم لقد نجحت اليابان حيث لم يستطع العالم الإسلامي تحقيق أي فوز يذكر على التخلف؛ لأنه أراد النهوض بعالم الأشياء بدل النهوض بعالم الأشخاص و الأفكار”
بدا الباب الثاني(المستقبل) بأنشودة رمزية ثم من التكديس إلى البناء، وذكر فيه "ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته. فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه. وقد نتج عن هذا أنهم منذ مائة عام لا يعالجون المرض، وإنما يعالجون الأعراض"
وقال أيضا :"إن المقياس العام في عملية الحضارة هو: "أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها".كما عرض العلاج من خلال معادلة هي:"
ناتج حضاري =إنسان + تراب + زمن، بالإضافة إلى "الدين".
وتعود مشكلة النهضة بالنسبة لمالك إلى ثلاث مشكلات أولية (مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت)،لابد من حلها لإقامة نهضة .
تحدث بعدها عن الدورة الخالدة، فالحضارة عنده تمر بثلاث مراحل هي: مرحلة الإقلاع، ثم مرحلة البنيان والتمدين، ثم مرحلة الهبوط من هذا السقف ألتمديني وصولا إلى الانحطاط الحضاري، كما بين معنى العدة الخالدة بأنها الوقت"الزمن" وساعة العمل.
وخصص بعد ذلك فصلا للحديث عن أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة من خلال تتبع فلسفي وتاريخي لهذه النقطة، فأكبر نقص في الفكر الماركسي برأي بن نبي هو تجاهله لهذه النقطة، واهتمامه بالماديات، فالدين هو المروض الأقوى للروح. وهو الدافع الأقوى في كل نهوض لكل الحضارات.
ويبدأ بعد كل هذا في تفصيل مشكلة الإنسان واستبيان ما يعانيه "صاحب العقل" في حياته، ووجهه عبر ثلاث مناحي"الثقافة والعمل ورأس المال".
بدا بتوجيه الثقافة وفرق بينها وبين العلم كما أنه عرفها بأنها " مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، فهي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته" ولتوجيهها لابد من توجيه أخلاقي وجمالي. ويحتاج الإنسان لتوجيه العمل ليغير من وضعه ويضمن قوت يومه ولا يقضي وقته في البطالة. كما يحتاج لتوجيه رأس المال وفرق هنا بين الثروة ورأس المال المتحرك قائلا: "فالثروة تلقب بلقب صاحبها، أما رأس المال فانه منفصل اسما عن صاحبه، ويصبح قوة مالية مجردة، وهذا شيء معروف عند الاقتصاديين"
كما تطرق لمشكلة المرأة و التطرف في الجانبين من اختزال للمرأة في الفراش أو مطالبتها بالعمل لكسب عيشها كالرجل، والإغفال عن تخطيط حياتها لتكون حاضرة في المجتمع، ويتحدث عن مشكلة الزى ومدى أهميته لصاحبه، وأنه يتغير بتغير المجتمع وتطوره "فلياباني العامل استبدل الكيمونو بالبذلة الزرقاء وقت العمل".
في العنصر الثاني التراب مؤكدا على قيمته الاجتماعية، "فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة، وحضارتها متقدمة، يكون التراب غالي القيمة، وحيث تكون الأمة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط".، كما تحدث عن التفريط في هذه الأرض بكل ما فيها، وركز على الحفاظ عليها فهي عماد الحضارة.
بدأ العنصر الثالث الوقت بمقولة أخاذة تحوي الكثير من المعاني: "الزمن نهر قديم يعبر العالم منذ الأزل ! " إن الوقت هو جوهر الحياة الذي لا يقدر بثمن فيقول: " وحينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء، أو لتحقيق الخلود والانتصار على الأخطار، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة، ويدركون قيمتها التي لا تعوض..."...
وفي الأخير أنهى مالك بن نبي كتابه الثمين "شروط النهضة" بالحديث عن الاستعمار والشعوب التي تقبع تحت ظلمته ، مؤكدا أن الخطر ليس من المستعمر بقدر ما يعود الخطر للعقلية التي تتكيف معه أي "القابلية للاستعمار" كما قال: "لكيلا نكون مُستعمَرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار"..
--------------------------------------------
- الرابط لتحميل الكتاب : موجود في الصفحة
http://www.4nahda.com/node/524