خطاب إلى النفس في يوم الهجرة

[size=18]

الهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
ها هو ذا يوم الهجرة...يوم التغيير
اليوم الذي نزيح به عن كاهلنا جبال الغبار المتراكمة...كل هذه الجبال وكل ذاك الغبار سيستحيل هباءً منثوراُ ...إن أنتٍ نويتِ...إن أنتِ عزمتِ...إن أنتِ نفخت...نفخة تبعث من جديد ...نفخة تحيي الغراس الطيبة التي كسدت في غياهب القلب المتألم...القلب الذي أضناه الغبار....وقاسى من ظلمة الذنوب.
أخاطبك يا نفس...ألن تهاجري؟؟؟!
ألا ترين الشمس أمامك؟ ها هي ذي الشمس تشرق من جديد..ها هي تشرق منذرة بميلاد يوم طويل ،يوم من اثني عشر شهراً مباركاً ..ومع كل شهر ، غياث رحمة ، ونفحات إيمانية ،تزكو بها النفوس والأرواح.
أما شمس ذاك العام فقد غربت...وطوت في غروبها ذاك العام بكل ما فيه ..فرحه، وحزنه.
لم يكن سوى ريح مرت..أو غمامة عابرة ...أي شخص رأيته في طريقك..أو ربما أي شخص مات ودفن تحت التراب ولن تريه ثانيةً..كان كيوم انقضى ولم تشعري به!
إثباتاً أن الدنيا كلها كذلك ..في يوم من الأيام ..في شهر من الشهور ...في سنة من السنوات...في لحظة ما...
ينطوي العالم بما فيه ... بمن فيهم أنتِ.. وتحين الساعة....ياالله يا رحيم!
لتغربي يا شمس ذاك العام من شفق التوبة..من أفق الإرادة...أفق العزيمة...أفق الصبر..
فلن تبقى هذه الروح كما هي ..ولن تلتصق بأرض المعاصي ، بل ستتسامى شيئاً فشيئاً أو ربما دفعة واحدة إلى حيث ولدت..
لن تغذيها الآمال الدنيوية، بل ستشدها إلى الأسفل حتى يصير الجسد تحت التراب...حتى يشتم رائحة التراب...
ولكن ليس كأي مرة...ليس كتلك المرة التي هطل فيها المطر....وليس كتلك المرة التي كنا نبني ونمرغ يدينا فيه...لا أبداً ..ليس كتلك المرات التي كنا فيها أحياء!
وكانت الدواة مملوءة ...واليراع يسجل في انهماك ، كل صغيرة وكبيرة،كل ظاهر وباطن،
إلى حين مجيء الأجل في غفلة من الزمان،ودون أن يدري أحد ،أو يتوقع أحد، أو يتصور أحد،
بعيداً عن أعين الناس ،أو أمام أعينهم..يأتي دون استئذان أو سابق إنذار ،ومهما كان قد انقضى من العمر...
يخطف أهم شيء،وأثمن شيء...الروح..لا فدية، ولا رجاء، ولا شيء قادر على أن يرده...
وهذا قدرنا جميعاً ....أولست يا نفس حريصة على أن تسافر الروح إلى ربها..طاهرة؟؟؟
أم تريدينها أن تذهب وأنت في لحظة المعصية والعياذ بالله؟
دعيني أشعل النار في أشلاء الذنوب...أريد أن أبيدها..
فشريط الدنيا الحافل بالأحداث سيطوى في لحظة مابكل ما فيه ...وسيعرض في يوم الحشر يقول تعالى:
"ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً"
أخاطبك يا نفس...ألن تهاجري؟؟؟!
ألا تخشين ضمة التراب ولحظة اللانهاية؟
ألا تخشين سخط الله وترجين رضاه وعفوه؟؟
ألا ترجين الجنة؟؟؟ هل أنا مخطئة؟؟
ألم تتقد فيك جذوة التغيير؟؟
أي مناسبة أدعى لذلك من العام الجديد؟ أي مناسبة أدعى من الهجرة؟
أي هجرة أقدس من الهجرة لله ؟
هجرة النفس إلى نفس جديدة..نفس تعرف ما تريد...تريد أن تحقق شيئاً يضاف لصحيفة أعمالها..تريد أن تبني أملاً..
كما بنى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ديناً بأكمله ...ودولة بأسرها...
لقد بدأ ذلك من خطوة جريئة..الهجرة..
لقد علمنا الصبر ..لقد علمنا الشجاعة...لقد علمنا الجرأة..لقد علمنا الهجرة..
ألم تتقد النار بعد؟ ألم تتآكل الأحطاب؟
إذاً فلتوقديها..
أخاطبك يا نفس..ألن تهاجري؟؟؟!
لتفتحي الصفحة البيضاء ...لتبحثي عن غراسك الحزينة..ولتتعهديها بالسقاية والرعاية...
لسنا نحن العباد..أصفاراً على الشمال...ولا تحفاً في الرفوف...ولا أقلاماً جافة لا حبر فيها...
إننا طاقات هائلة مودعة في جسد صغير وروج فقيرة إلى ربها..
إننا ينابيع تنتظر الانفجار...
أليس النبي بأعظم مثال؟؟
لقد كان إنساناً واحداً ..ولكن أعظم من الناس أجمعين ..لقد غير وجه الأرض..لقد نشر ديناً ونظام حياة..
لقد أعمر دنيانا..بيديه.... وعقله... وقلبه...وروحه...وإيمانه ...وشجاعته...متوكلاً على الله.
لقد صبر وتحمل وهاجر....
أخاطبك يا نفس...ألن تهاجري؟؟؟!

1 محرم 1431ه
17 كانون الأول 2009

[/size]

شكرا لك
والله إنك أثرتِ فيني كثيرا
واقشعر بدني من هذه الكلمات الاكثر من رائعة
شكرا لك من كل قلبي

» دعوة لطلاب كلية علم النفس :النقاش البناء حول التأصيل الإسلامي لعلم النفس
» في ظلال الهجرة
» خطاب الله للمؤمنين 1