[
b]- التيسير له ثمن والتعسير له سبب[/b]
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
-------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
حقائق في قانون التيسير والتعسير:مقدمة وجيزة:
1 – كلمات لا حقيقة لها:
أيها الإخوة الأكارم، مع درس جديد من دروس سنن الله في خلقه، والموضوع اليوم قانون التيسير والتعسير.
هناك عند الناس مقولات عديدة وكثيرة ومنتشرة: فلان يده خضراء، فلان لا حظّ له، فلان قلب الدهرُ له ظهر المِجَنّ، فلان فوق الريح، فلان كيفما يتحرك يأتي واقفا ، هذا كله كلام ما له معنى، ولا يستند إلى واقع.
2 – أفعال العباد بيد الله عز وجل:
الحقيقة الأولى في قانون التيسير والتعسير: أن أفعال العباد بيد الله عز وجل، أنت مخير، لكنك مخير أن تنبعث إلى عمل ما، أما آلية العمل فبيد الله عز وجل.
﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾
( سورة الأنعام )
الحقيقة الأولى في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى بيّنها، هذه الحقيقة الأولى فيها قصص كثيرة:
قصة سيدنا موسى عليه السلام:
مثلاً: سيدنا موسى: لمّا رأى فرعون في الرؤيا أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكه، أخذ قرارا سريعا بقتل كل أبناء بني إسرائيل، وأيّة مولّدة لا تخبر عن مولود ذكر تُقتل مكانه، انتهى الأمر، لكن هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه فقد ربّاه في قصره، كيف رباه في قصره ؟ أمه خافت عليه من القتل، فألقته في اليم، تصور صندوقا يتحرك في نهر، هذا بيد مَن ؟ مَن سيره ؟
الفكرة الآن أدق، أدق الجزيئات، كل الحركات والسكنات بيد الله.
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
( سورة القصص )
والله شيء عجيب:
﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هناك أمران، ونهيان، وبشارتان، يُلقى طفل صغير في صندوق خشبي في النهر، ونهر النيل كالبحر:
مَن سيّره إلى جانب قصر فرعون ؟
مَن أوقفه عند غصن إلى جانب الشاطئ ؟
مَن ألهم امرأة فرعون أن تأتي إلى الشاطئ ففوجئت بهذا الصندوق، ففتحته ؟
مَن ألقى محبته في قلب امرأة فرعون ؟
الشعور بيد الله، والحركة بيد الله، حركة الجماد وحركة الحيوان، وحركة الإنسان، والمياه، والرياح، والانبعاث، والمشاعر، كلها بيد الله.
﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
( سورة القصص )
﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾
( سورة القصص الآية: 8 )
هذه اللام في لِيَكُونَ لامُ المآل، فلا يعقل أن تلتقط طفلا ليكون لك عدواً، أما في النهاية فالذي كان أن مُلك فرعون انتهى على يد هذا الطفل.
الأمر بيد الله، قضية دقيقة جداً، حياتك، رزقك، بيتك، زوجتك، أولادك، مَن حولك، مَن فوقك، مَن تحتك، المخلوقات، الحيوانات، كل شيء حولك بيد الله، رفعتك بيد الله، رزقك بيد الله، سعادتك بيد الله، أمنك بيد الله، خوفك بيد الله، شريان القلب التاجي بيد الله، نمو الخلايا بيد الله، سيولة الدم بيد الله، هذا الإيمان، كل شيء بيد الله.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ َاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
التوحيد أساس كل شيء: حينما تؤمن أن يد الله وحدها تعمل، وأنه لا معطي، ولا مانع، ولا معز، ولا مذل، ولا خافض، ولا رافع، ولا مكرم، ولا مهين إلا الله، وأن كل علاقتك مع الله، حينما تؤمن بهذا الإيمان توحد وجهتك إلى الله، وتعقد الأمل على الله، ولا تخشى إلا الله، ولا تخاف إلا الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تضع الأمل إلا بالله، ولا تبتغي إلا ما عند الله ، هذا هو التوحيد.
فلذلك ما علاقة هذه المقدمة بالتيسير والتعسير ؟
لأن الأمر بيده، أمر زوجتك بيده، إما أنها تكون مطواعة بشكل رائع، التعامل معها سلس، أو أن ترى أنها قطعة من الجحيم، قد تكافأ بزوجة صالحة، وقد يؤدب الإنسان بزوجة تريه النجوم في الظهر، وقد يصلح له زوجة سيئة، الأمر بيد الله، بأدق التفاصيل، من أدق التفاصيل إلى أكبر التفاصيل، من خدش عود إلى حرب أهلية، إلى اجتياح، إلى احتلال.
حينما توحد حُلت أربع أخماس مشكلتك، حينما توحد، ألاّ ترى مع الله أحدا، لذلك هذا الكلام يلخَّص بهذه المقولة: كل شيء وقع أراده الله، معنى أراده أي سمح به فقط، قد يريد شيئاً، ولم يؤمر به، قد يريد شيئاً، ولم يرضَ عنه، أنت مخير، هويتك مخير.
أنت المخلوق الأول، أنت المخلوق المكرم، أنت المخلوق المكلف، لو ألغى الله حريتك لانتهى التكليف، انتهى حمل الأمانة، انتهت الجنة، انتهت النار، انتهى الثواب، انتهى العقاب، أنت مخير، وجئت إلى الدنيا على هذا الأساس، أنت مخير، ويمكن أن تفعل شيئاً أصررت عليه، والله لا يرضى أن تفعل هذا الشيء، كما لم يأمرك أن تفعله.
قال علماء العقيدة: أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضَ.
أنت صيدلي، وتحتاج إلى موظف ليعينك بعد الظهر، أردت أن تمتحنه، فأتيت له ببعض الأدوية، وقلت له: ضع هذه الأدوية في أماكنها في هذه الصيدلية، هذه فيتامينات، هذه سموم، هذه مضادات حيوية، هذه مقويات، فأخذ دواء السموم ليضعه مع الفيتامينات، إذا منعته فقد ألغي التكليف، ألغي الامتحان كله، وإذا سكتت فأنت أقوى منه، بإمكانك أن تمسك يده ضعها هنا، التغى الامتحان، الامتحان التغى كلياً.
فالله عز وجل أراد ولم يرضَ، أراد ولم يأمر، أي سمح به، لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، إله عظيم يقع في ملك ما لا يريد ؟ هذا لا يتناسب مع ألوهية الإله العظيم.
كل شيء وقع أراده الله، وكلّ شيء أراده الله وقع لحكمة:
إذاً كل شيء وقع أراده الله، بمعنى سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، شيء وقع أراده الله لحكمة بالغةٍ بالغة بَالغة، ٍشيء لم يقع أراد الله أن لا يقع لحكمة بالغةٍ بالغة بالغة، فالذي وقع أراده الله أي سمح به لحكمة بالغةٍ بالغة، وقد يكون الذي أوقعه مجرماً.
لذلك قالوا: لكل واقع حكمة، قد يقع الشيء في الظاهر فيه أذى كبير، لكن لأن الله سمح به هناك خير كبير، علِمه مَن علمه، وجهله من جهله، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة.
أيها الإخوة، نقول: الله عز وجل عدله مطلق، حكمته مطلقة، كيف ؟ إذا كان هناك ستة آلاف مليون إنسان، وواحد ظُلم، هذا يتناقض مع عدل الله، إذا ظُلم عصفور فهذا يتناقض مع عدل الله، لأن عدل الله مطلق، أما عدل الإنسان فنسبي.
أصدر قاضٍ ألفَ حكم خلال ثلاثين سنة، منها خمسة أحكام فيها ظلم لضعف المعلومات، يسمى عند أهل الأرض قاضيا عدلا، لأن الأحكام للإنسان نسبية، أما الأحكام المتعلقة بذات الله مطلقة.
إنّ كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، ما معنى بالحكمة المطلقة ؟ أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، وأن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، خير مطلق.
كلمات عند العوام ليست مشروعة: أيها الإخوة الأحباب، الشر المطلق لا وجود له في الكون، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، لا يمكن أن يكون هناك شر مطلق، إلا أن الشر نسبي، والله سبحانه وتعالى يوظفه للخير المطلق، هذه مقدمة.
قد تقول الأم: هذه البنت مسكينة لا حظ لها، هذا كلام لا معنى له، فلان قلب له الدهر ظهر المجن، هذا كلام لا معنى له، فلان أقبلت عليه الأيام تسره، هذا كلام لا معنى له، ما هي الأيام ؟ ما هو الدهر ؟ ما هو الدهر الذي قلب لك ظهر المجن ؟ فلان يده خضراء، فلان أينما تحرك يأتي واقفا، هذه كلها كلمات لا معنى لها.
قانون التيسير والتعسير مؤصَّل في آية قرآنية:
فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى هناك معنى واحد، التيسير والتعسير له قانون، القانون الذي ينتظم التيسير والتعسير هذه الآية:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
( سورة الليل )
من هو ؟ الذي آمن بالآخرة، آمن أنه مخلوق للجنة، وبناء على هذا الإيمان اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، يعطي من وقته، من ماله، مِن علمه، من جاهه.
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
أموره ميسرة
إنه قانون التيسير والتعسيرِ لا غير:
أحياناً يقول لي شخص: كل الإشارات خضراء، وأنا أمشي، أحيانا كل إشارة حمراء 76 ثانية، الثانية حمراء، والثالثة حمراء، بعد هذا يغضب، بدءاً من الإشارات ، وانتهاءً بالمهمات:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
زواجه موفق، زوجة صالحة تسره عن نظر إليها، تحفظه إن غاب عنها، تطيعه إن أمرها، وأحياناً تريه النجوم ظهراً، يقول له: بلاء من الله، ما ارتحت معها يوما، الزواج تيسر، والعمل تيسير، والرزق تيسير، والصحة تيسير، أحيانا خطأ بسيط في الجسم يقلب حياة الإنسان إلى جحيم، أحيانا خطأ بتناول دواء له مضاعفات خطيرة جداً.
يا أيها الإخوة، أحيانا يجري إنسان عملية استئصال كلية متوقفة عن العمل، ويعيش الإنسان عمرا مديدا بكلية واحدة، لكن الطبيب ينزع له الكلية السليمة، وقد قال لي أخ: والدي مكث عشر سنوات في غسيل كلية، لأنه أخطأ الطبيب معه فاستأصل الكلية السليمة، فهناك توفيق في الصحة، وتوفيق في الزواج، وتوفيق في العمل، وتوفيق في العلاقات العامة، وتوفيق في كسب الرزق، وتوفيق في إنفاق المال، وتوفيق في السفر.
قد يسافر الرجلُ، ووضع المحفظة في سيارة مكشوفة في القسم الخلفي، ثم ذهب ليصلي فسُرقت المحفظة، قال لي: بقيت مدة شهرين حتى أخذت وثيقةَ مغادرة، الأمور معقدة جداً، وأحيانا الأمور ميسرة مريحة، وأحيانا معسرة، فكلمة ( صدفة )، وكلمة ( محظوظ، و( يده خضراء ) هذا كلام فيه شرك، لأن هناك تيسيرا وتعسير.
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
أَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى
﴿ أَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾( سورة الليل )
آمن بالدنيا، وكذب بالآخرة، لأنه آمن بالدنيا فاستغنى عن طاعة الله، ولأنه آمن بالدنيا، واستغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ، فلذلك هذا الإنسان أينما تحرك كانت الأمور معسرة، فلا سعادة، ولا توفيق، ولا يسر، ولا عسر، فأينما تحرك كان الباب مغلقا، والجواب: مع عدم الموافقة، وكلما طرق باب يجده مغلقا، فيجب أن تنتبه.
حدثني أخ من إخواننا الكرام، وله مكانة، يعمل بحرفة راقية، بحاسوب صناعي، هو خبير كبير فيه، حدثني فقال: طلب مني إنسان إصلاح حاسوب معمل فطلبت مبلغًا ضمن قناعتي، وهو مبلغ مناسب، لكن الرجل شدّد عليه، وحاسبه، وطلب منه يخفض السعر بإلحاحٍ كبير حتى أضجره، فقال له: أنا لست بحاجة لك، أنت بحاجة لي، تحب أن آتي إليك فادفع المبلغ ؟ أنا جاهز بهذا الرقم، قال له: تعال، أقسم لي هذا الأخ في خلال عشر سنوات أو أكثر الأمر يحتاج ساعتين أو ثلاثا، الأمر على الإنجاز، قال لي: أول يوم للمساء لم يصلح، ما كشفت أين الخلل، ثاني يوم، ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، أقسم بالله تسعة أيام ما اهتدى للحل، بعدها طلب إجازة، راجع نفسه، أين الخطأ ؟ قال: فقال: أنا قلت له: أنا لست بحاجة لك، أنت بحاجة لي، وهذه كلمة تجبر، فتاب إلى الله، دفع صدقة، قال لي: عاشر يوم في ربع ساعة حلّت القضية.
أحيانا تعسر الأمور، و أحيانا تيسر، أحيانا هذا الموظف يخطر بباله أن يطالبك بوثيقة كان ممكنا ألاّ يطالبك بها، تكلّفك ثمانية أيام سفر، وتصديق، فتجد أنك قد خرجت من جلدك على هذا الطلب الذي لا يطلب دائماً، هكذا خطر ببالك أن يطلب منك، وأحيانا تحس أن هذا الموظف راغب في أن يعينك بشكل واضح .
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:
(( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ))
[ الترمذي ]
فإذا كنت تستحق التكريم يلقي الله محبتك في قلوب الخلق، فيعينونك، وإذا كان الإنسان يستحق التأديب يلقي الله البغض في قلوب الخلق، فيتفننون بإحراجه، يتفننون بإزعاجه، يتفننون بتعقيد الأمر عليه.التيسير مريح جداً أيها الإخوة، والتعسير صعب جداً، التيسير مريح وله ثمن، والتعسير مزعج وله سبب، التيسير له ثمن، والعسير له سبب.
أيها الإخوة، الأصل في هذا الموضوع هذه الآية:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * أَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
لماذا كذب بالحسنى، واستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ ؟ من أجل أن يجمع المال الوفير كي يستمتع به في الدنيا، قال:
﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
( سورة الليل )
التيسير له ثمن والتعسير له سببٌ: أيها الإخوة الكرام، قضية التيسر والتعسير شيء مهم جداً في حياتك، مهم بزواجك مهم بعملك، مهم بدراستك، فقد تجد أستاذا في جامعة أجنبية من أصل يهودي يتفنن في إزعاجك، يتفنن بوضع العراقيل أمام شهادتك، وطالب آخر مع أستاذ آخر، الأمر مسير.
التيسير والتعسير موضوع مهم جداً في حياتنا، وله ثمن، التعسير له سبب، والتيسير له ثمن.
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًالكن أيها الإخوة، هناك آية والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفت، قال:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق )
مستحيل وألف ألف ألفِ مستحيل أن تتقي الله، ثم لا تجد التيسير والراحة النفسية، أن تتقي الله، ثم لا تجد أن كل مَن حولك في خدمتك، إذا يسر الله الأمور يخدمك عدوك، وإذا عسر الله الأمور يتطاول عليك أقرب الناس إليك.عموم التقوى:
فلذلك:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ﴾،
من يتقي الله في الاختيار زوجتك،
﴿ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
من زوجة سيئة تؤذيه، من يتقِ الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجا من عقوقه، من يتقِ الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال أو مصادرته، أو من تجارة خاسرة، أو من صفقة خاسرة، من يتقِ الله في التوحيد يجعل الله له مخرجاً من الشرك، من يتقِ الله في صحته يجعل الله له مخرجاً من المرض، آية واسعة جداً:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾.
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
آية ثانية:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
( سورة الطلاق )
التيسير والتعسير.
﴿ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 185 )
الله عز وجل قد يسمح لك بعمل نتائجُه تعسير أمورك، لأنك أنت اخترته، فيسمح لك بعمل أنت مخير، ونتائج هذا العمل تعسير لأمورك، لكن:
﴿ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾
﴿ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾
( سورة البقرة الآية: 185 )
هذه آية مهمة جداً.
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾
( سورة الشرح )
خرج النبي عليه الصلاة والسلام يوماً مسروراً فرحاً، ضحاكاً وهو يقول:
(( لن يغلب عسر يسراً، إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ))[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن الحسن ]
الكلمة إذا تكررت، وكانت معرف فهي بمعنى واحد، أما إذا جاءت نكرة، وتكررت فهي بمعنى آخر، لذلك صار عندنا عسر واحد ويسران، ولن يغلب عسر يسرين.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام كتطبيق عملي: أنتم أيها المؤمنون يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا، وسددوا وقاربوا، كما أنك تريد من الله أن ييسر عليك، أنت يسِّر على من حولك.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( قَالَ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى ))
[ البخاري ]
قانون التيسير والعسير أصله هذه الآية:
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
والحمد لله رب العالمين