الاقتصاد والنهضة ( 1 )

لم أكن أتصور أن أجد كتاباً يشرح الاقتصاد بهذه البساطة والسهولة ، ولا يدرك هذا الأمر إلا الذي درس في كلية الإقتصاد والتجارة ودخل في غيابة النظريات والمدارس أو من حاول القراءة عن الاقتصاد من مراجع مختلفة فخاض رحلة التيه الطويلة.

إنه كتاب " خطوتك الأولى نحو فهم الإقتصاد " للدكتور جاسم سلطان وهو الكتاب السابع ضمن سلسلة كتب أدوات القادة في مشروع النهضة ، كتاب رائع مختصر عميق ، إذ هو مفتاح للتفكير العميق ، ويغطي مجال من أهم المجالات التي تؤثر في الحياة بشكل عام وفي النهضة بشكل خاص.

تميز الكتاب بعدد من المميزات جعلته يتقدم على كثير من الكتب التي حاولت تبسيط مفهوم الاقتصاد أهمها :

1- التبسيط :

فلم يقتصر الكتاب على تبسيط المفاهيم وشرحها بل إلى ربط بعضها ببعض ، وقد رفع الدكتور جاسم شعار التبسيط ليشمل كل مجالات مشروع النهضة بإطلاقه لنداء المرحلة " بسطوا خطاب النهضة " (1) .

2- استخدام النماذج :

عادة ما يستخدم الدكتور جاسم أسلوب النماذج في كتبه وهذا الأسلوب يساعد القارىء كثيرا على الفهم والاستيعاب والربط بين المفاهيم والمصطلحات وغيرها ، وأسلوب النماذج من الأساليب السهلة الممتنعة وأعني هنا أنه قد يكون من السهل على أي كاتب أن يقدم نموذجا أو رسما توضيحيا عن ما يكتب لكن قلة هم الذين يضعون نموذجا متوازنا ناجحا يرسخ في الذاكرة.

3- استخدام الأسلوب القصصي الحواري :

فكان مدخل كل موضوع من مواضيع الكتاب قصة حوارية يشرح فيها الدكتور جاسم ما هي أهم الأفكار التي يجب أن تصل الى قائد النهضة في هذا المفهوم أو ذاك ، وهذا في الحقيقة أسلوب جميل جدا وجاذب وخاصة في موضوع ثقيل نوعا ما مثل موضوع الاقتصاد ، ومما يميز الاسلوب الحواري أيضا أنه يطرح الأسئلة التي تدور في ذهن القاريء فيأتيه الجواب دون حاجة الى استنتاج أو بحث بين ثنايا وفقرات الكتاب.

4- التلخيص :

من الأمور المهمة أيضا في هذا الكتاب أنه يعتمد الخلاصات والاضافات بعد نهاية كل موضوع رئيسي مما يساعد في تثبيت المعلومة ووضها في جمل قادرة على البقاء في ذهن القارىء فترة أطول .

5- ربطه بالنهضة :

وهذا من أهم أهداف طرح موضوع علم الاقتصاد ليكون كما قال الدكتور في مقدمة الكتاب " لبنة من لبنات سلسلة أدوات القادة ويأتي كمساهمة في ترتيب الخارطة المعرفية لشباب النهضة" (2).

فإذا كانت النهضة تعني " انبعاث همة متجددة في مجتمع ما لمواصلة التنافس الحضاري مع الامم الاخرى مشفوعا بفكر جديد ورؤية متجددة للعالم بحيث تتوافر فيها أي الفكرة مقومات الوجود ومقومات الديمومة"(3)

وعلم الاقتصاد يعني "العلم الذي يُعنى بدراسة القوانين الاجتماعية التي تحكم الانتاج والتوزيع والوسائل المادية التي تستخدم في إشباع الحاجات الانسانية"(4)

فإننا نجد الاقتصاد هنا بعلمه وقوانينه يمد أذرعته الطويلة لتطال محاور مهمة في تعريف النهضة مثل : مجتمع، تنافس حضاري ، فكر جديد ، مقومات وجود ، مقومات ديمومة .

وعلاقة الاقتصاد بالنهضة لها جذورها التاريخية فكل نهضات الأمم السابقة والتجارب القديمة اهتمت في الجانب الاقتصادي اهتماما كبيرا الى جانب الاهتمام بالمجالات الأخرى مثل المجال السياسي والاجتماعي ، يقول الدكتور جاسم "إن عصر النهضة الأوروبية أو القرن السادس عشر شهد حوادث عظيمة، وتبدلات عميقة في أنظمة الدول الداخلية، وفي سيماء أوروبا العامة، وتتجلى مظاهر التجديد في أوروبا عصر النهضة، بحوادث كبرى، وتطورات عظيمة، أشبه ما تكون بثورات؛ فكرية، ودينية، وأخلاقية، وسياسية، وتجديدية، في الاقتصاد الجديد. وبدا القرن السادس عشر وكأنه التفاتة نحو الماضي أكثر منها نحو المستقبل، فمفهوم النهضة في الفكر الأوروبي لم يكن قطيعة مع الماضي؛ بل هو تواصل معه واستجلاب للخيرية التي كانت فيه، ثم انطلاقٌ إلى المستقبل لمحاولة البحث عن فرصه، وما يمكن اقتناصه منه"(5).

أما ربط الاقتصاد بالنهضة كمشروع فإن المشروع يحتاج الى علم الاقتصاد من ناحتين الأولى كعلم وفكر والثانية كدعم وقوة وفي الحالتين نجد قادة النهضة بحاجة الى التعرف بشيء من التفصيل على هذا العلم والدخول الى دهاليزه العجيبة .

سأحاول من خلال النموذج القادم رسم أهم الملامح التي تحدث عنها الكتاب في علم الاقتصاد:

http://www.4nahda.com/sites/default/files/pic_0.jpg


---------------------------------------------

المراجع:

(1)،(2)،(4) كتاب فهم الاقتصاد، د.جاسم سلطان

(3) مقال مقاربة تعريف النهضة، د.جاسم سلطان

(5) وثيقة مشروع النهضة، د.جاسم سلطان