الاقتصاد والنهضة (2)
----------------------
سأعود الى الوراء أي قبل أربعين عاما تقريبا حيث ألّف المفكر المعروف ( مالك بن نبي ) رحمه الله كتابه القيم " المسلم في عالم الاقتصاد "(1) وقد يظن البعض أن الوقت قد فات على الإبحار مع أفكار مالك بن نبي الاقتصادية لأنه من المفترض خلال هذه المدة الطويلة أن الظروف قد تغيرت والنظريات الاقتصادية قد حُدِثت ، وهنا أقول أسفاً كنت أتمنى ذلك لكن النتائج على أرض الواقع لا تقولها ، فحالة التخلف التي أصابت الأمة ما زالت تضرب بها وفي كل المجالات تقريبا وبالأخص المجال الإقتصادي ، ولا شك أن هناك محاولات نظرية وحلول مقترحة لكنها لم تتحول لواقع إما لقصور بها أو قصور في فهمها وحملها ، ويظهر أن المشكلة ما زالت في عالم أفكارنا، وهذا هو المنطلق الأساسي الذي يتحدث عنه مالك بن نبي في كتابه، وقد كانت هي خلاصة بحثه في المسألة الاقتصادية حيث قال:" إن حركة الأفكار مهما كانت وجهتها تدفع الفكر لتدعيمها أو لتصحيحها أو حتى لمقاومتها وأعتقد أن الفكر الإسلامي مدعو الى خوض معركة كبرى لمواجهة تحدي عالم الاقتصاد . فهذا الكتاب يدعوه الى خوضها بصفته رجلاً حراً لا يطأطىء الرأس أمام عجل الذهب ، ولا أمام زخرف القول الماركسي " (2).
وكما كانت الخلاصة واصفة للحل كانت المقدمة تشخص المرض وتبحث في جذور المشكلة " فالإنسان الذي استسلم للتقليد في العادات والأذواق وبصورة عامة في تقليد ما يكتظ به عالم أشياء شيدها غيره، يصبح في المجال النظري مقلدا للأفكار التي صاغتها تجارب وخبرات غيره "(3).
سأستعرض من خلال هذا المقال منهجية النهوض الاقتصادي عند ملك بن نبي رحمه الله وسأحاول الموزانة بين التفصيل والتبسيط (4)، ولكن قبل ذلك لا بد من الإتيان بشاهد على الواقع الاقتصادي الحالي للأمة ليخبرنا هل ما زالت المشكلة موجودة وهل هي في عالم الأفكار أم أنها تجاوزت ذلك ، " يلاحظ الدكتور محمود عبد الفضيل أن نظرة تبسيطية سادت في كتابات وممارسات التنمية في الوطن العربي، ويقول إنه بعد سنوات طويلة من المعاناة والفشل التنموي تكونت فكرة وافية عن ثنائيات بالية يجب تجاوزها، ومن أمثلة ذلك الخيارات الحرجة التي تواجه رسم السياسة الاقتصادية في مجال التنمية والنهوض الاقتصادي، فقد طرحت أحيانا معادلة ثنائية قوامها: صناعة أم زراعة؟ وثبت تاريخيا أنه لا يمكن أن يكون هناك تصنيع دون قاعدة زراعية جيدة، كما لا يمكن أن يكون هناك تقدم زراعي دون قاعدة صناعية جيدة، وقد نجح الصينيون حينما طرحوا شعار السير على ساقين، ولا شك في أن ذلك يمثل لنا درسا نحن الذين أهملنا الزراعة كثيرا على الرغم من أنه كانت لدينا زراعة جيدة في العراق ومصر والشام وها نحن الآن من أكثر البلدان استيرادا للغذاء على الرغم من توافر الماء والأرض، ولا شك أن ذلك يمثل فشلا تنمويا"(5). ورغم أن الدرس الذي خلص إليه الدكتور محمود في الظاهر هو إجرائي إلا إن في حقيقته هو جوهري فكري أي في تكوين الفكرة المسبقة عن الثنائيات .
ولا بد من الإشارة هنا الى مجموعة من المعطيات التي قام بطرحا مالك بن نبي حتى يتبين لنا مدى أهمية وارتباط القضية الاقتصادية بعالم الأفكارمن ناحية والتقدم الحضاري من ناحية أخرى :
1- الاقتصاد والمجال الفكري : قال مالك بن نبي :" ولكنني لست بصدد تعريف المسلم المتورط في عالم الاقتصاد ، كيف نشأ هذا الاقتصاد على أسس حضارة غيره بل أحاول أن أدله على طريق لحل أزمته الراهنة على الأقل في المجال الفكري لتكون له بعد ذلك الخيرة بين أفكار واضحة "(6).
الاقتصاد هو تجسيم للحضارة : قال مالك بن نبي :" إن الاقتصاد مهما كانت توعيته المذهبية هو تجسيم لحضارة، على شرط أن نحددها بصفتها مجموعة الشروط المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يقدم جميع الضمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه "(7).
http://www.4nahda.com/sites/default/files/1_0.JPG
عالم الاقتصاد والإرادة الحضارية : قال مالك بن نبي : " فالعلاقة النسبية بين الإمكان الحضاري والإرادة الحضارية علاقة سببية تضع الارداة في رتبة السبب بالنسبة للإمكان . ولو عدنا الى عالم الاقتصاد بهذه الاعتبارات فإننا لا نراه عالم الكميات وعالم الأرقام إلا في الرتبة الثانية أي بعدما تبعث فيه الإرادة الحضارية الحركة والحياة. وإنما تتدخل الكميات والارقام عندما تنطلق عمليات الانجاز ويتطلب انجازها إشرافا وتنظيما ورقابة أي بقدر ما يكتمل الإمكان"(
http://www.4nahda.com/sites/default/files/2_0.JPG
وبعد هذه المعطيات العامة فلننطلق الى منهجية النهوض الاقتصادي عند مالك بن نبي رحمه الله :
http://www.4nahda.com/sites/default/files/3.JPG
http://www.4nahda.com/sites/default/files/4.JPG
http://www.4nahda.com/sites/default/files/5.JPG
http://www.4nahda.com/sites/default/files/6.JPG
http://www.4nahda.com/sites/default/files/f.jpg
--------------------------------------------
المراجع :
(1) المسلم في عالم الاقتصاد – الطبعة الثالثة – دار الفكر لمؤلفه مالك بن نبي رحمه الله : مفكر جزائري له العديد من الكتب والدراسات اهمها مشكلات الحضارة وشروط النهضة والظاهرة القرانية ولد 1905 وتوفي في 1973م
(2) نفسه
(3) نفسه
(4) استجابة لنداء الدكتور جاسم سلطان في مقدمة كتابه " فهم الاقتصاد " بقوله ( بسطوا خطاب النهضة )
(5) اسم الكتاب: النظام العربي وآفاق المستقبل المؤلف: أحمد يوسف وآخرون، مراجعة وتقديم: طاهر كنعان الطبعة: الأولى 2002 الناشر: مؤسسة شومان ودار الشروق، عمان عرض/ إبراهيم غرايبة
(6) المسلم في عالم الاقتصاد – الطبعة الثالثة – دار الفكر
(7) نفسه
(
نفسه
(9) نقلا عن مالك بن نبي بتصرف
(10) نقلا عن مالك بن نبي بتصرف
(11) الدكتور شاخت : الرجل الذي نهض باقتصاد المانيا قبيل الحرب العالمية الثانية من نقطة الصفر تقريبا ، وانتقل الى اندونيسا لينهض باقتصادها ولكنه فشل .
[i]