إستراتيجية التفريغ الإيجابي للغضب
لا تغضب! لماذا وكيف؟
---------------------------------------------
أن تكون ودوداً ومتعاطفاً مع ابنك لا يعني أنك لا تعبر عن غضبك من سلوك ما أو ألا تصاب بحالات من الغضب. وكذلك الابن، من الطبيعي أن يغضب ويتأثر بما يدور حوله. ولتذكر ابنك كم مرة كان يتحرّق من الداخل وهو يستجيب لأوامرك وينفذها كما وجهت له. لذلك كان لزاماً على الوالدين إيجاد إستراتيجية لكل أفراد الأسرة لتفريغ الغضب بشكل إيجابي والتي أطلقنا عليها (فوائد التفريغ الإيجابي للغضب).
بلا شك لإستراتيجية التفريع الإيجابي للغضب فوائد عديدة منها ما هو صحي ومنها ما هو نفسي واجتماعي ويمكن ذكر ما يلي:
فوائد تفريغ الغضب صحياً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ رواه البخاري.
ثبت علمياً أن الغضب كصورة من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب، وتأثير العدو أو الجري على القلب وانفعال الغضب يزيد من عدد مرات انقباضاته في الدقيقة الواحدة، فيضاعف بذلك كمية الدماء التي يدفعها القلب أو التي تخرج منه إلى الأوعية الدموية مع كل واحدة من هذه الانقباضات أو النبضات، وهذا بالتالي يجهد القلب بأنه يقسره على زيادة عمله عن معدلات العمل الذي يفترض أن يؤديه بصفة عادية أو ظروف معينة، إلا أن العدو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً لأن المرء يمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك، أما في الغضب فلا يستطيع الإنسان أن يسيطر على غضبه لا سيما إن كان قد اعتاد على عدم التحكم في مشاعره.
هذا بخلاف الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجم عن الغضب في العلاقات بين الناس والتي تقوّض من الترابط بينهم.
ومما هو جدير بالذكر أنّ العلماء كانوا يعتقدون في الماضي أن الغضب الصريح ليس له أضرار وأن الغضب المكبوت فقط هو المسؤول عن كثير من الأمراض، ولكن دراسة أمريكية حديثة قدمت تفسيراً جديداً لتأثير هذين النوعين من الغضب، مؤداه أن الكبت أو التعبير الصريح للغضب يؤديان إلى الأضرار الصحية نفسها وإن اختلفت حدتها.
الأخطر من ذلك كله أن بعض الأسلحة الفعالة التي يستخدمها الجسم للدفاع عن نفسه والمنطلقة من غدة حيوية تتعرض للضعف الشديد نتيجة لإصابة هذه الغدة بالتقلص عند حدوث أزمات نفسية خطيرة وذلك يفسر احتمالات تحول الخلايا السليمة إلى سرطانية في غيبة النشاط الطبيعي لجهاز المناعة وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بعدم الغضب ومن هنا تظهر الحكمة العلمية والعملية في تكرار الرسول توصيته بعدم الغضب.
- المصدر: «الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية» محمد كامل عبد الصمد.
الغضب وآثاره السلبية: يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم عضو الجمعية الطبية الملكية بلندن واستشاري الأمراض الباطنية والقلب.. إن الميول الإنسانية تنقسم إلى أقسام، ويختلف سلوك الأشخاص وتصرفاتهم باختلاف هذه الميول ومدى السيطرة عليها: الميول الشهوانية وتؤدي إلى الثورة والغضب، والميول التسلطية وتؤدي إلى الكبر والغطرسة وحب الرئاسة، والميول الشيطانية وتسبب الكراهية وبغض الآخرين. ومهما كانت ميول الإنسان فإنه يتعرض للغضب فيتحفز الجسم ويرتفع ضغط الدم فيصاب بالأمراض النفسية والبدنية مثل السكريّ والذبحة الصدرية. وقد أكدت الأبحاث العلمية أن الغضب وتكراره يقلل من عمر الإنسان.
ولهذا ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حديث لا تغضب، وليس معنى هذا عدم الغضب تماماً بل عدم التمادي فيه، وينبغي أن يغضب الإنسان إذا انتهكت حرمات الله. ورسول الله يقول لمن يغضب (وإذا غضب أحدكم فليسكت) لأن أي سلوك لهذا الغاضب لا يمكن أن يوافق عليه هو نفسه إذا ذهب عنه الغضب، ولهذا يقول أيضاً: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) والقرآن الكريم يصور الغضب قوة شيطانية تقهر الإنسان وتدفعه إلى أفعال ما كان يأتيها لو لم يكن غاضباً فسيدنا موسى عليه السلام ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه فلما ذهب عنه الغضب (ولمّا سكت عن موصى الغضب أخذ الألواح) وكأن الغضب وسواس قرع فكر موسى عليه السلام ليلقي الألواح.
وتجنّب الغضب يحتاج إلى ضبط النفس مع إيمان قوي بالله، ويمتدح النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا السلوك في حديثه (ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) ولا يكون تجنب الغضب بتناول المهدئات لأن تأثيرها يأتي بتكرار تناولها ولا يستطيع متعاطي المهدئات أن يتخلص منها بسهولة، ولأن الغضب يغير السلوك فإن العلاج يكون بتغيير سلوك الإنسان في مواجهة المشكلات اليومية فيتحول غضب الإنسان إلى هدوء واتزان.
ويضيف الدكتور أحمد شوقي أن
الطب النفسي توصل إلى طريقتين لعلاج المريض الغاضب:
الأولى:
من خلال تقليل الحساسية الانفعالية وذلك بتدريب المريض تحت إشراف طبيب على ممارسة الاسترخاء مع مواجهة المواقف الصعبة نفسها، فيتدرب على مواجهتها من دون غضب أو انفعال..
الثانية:
من خلال الاسترخاء النفسي والعضلي وذلك كأن يطلب الطبيب من المريض أن يتذكر المواقف الصعبة وإذا كان واقفاً فليجلس أو يضطجع ليعطيه فرصة للتروي والهدوء. وهذا العلاج لم يتوصل إليه الطب إلا في السنوات القليلة الماضية بينما علمه الرسول صلى الله عليه وسلّم لصحابته في حديثه (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإذا ذهب عنه الغضب أو فليضطجع).
- المصدر: «مجلة الإصلاح العدد 296 سنة 1994»).
التوجيهات الإسلامية لمعالجة الغضبنحاول في مقدمة حديثنا عن الاستراتيجية التربوية (التفريغ الإيجابي للغضب) أن نمهد له بتوجيهات نستقيها من ديننا الحنيف لنشكل معاً أرضية قوية لاكتساب مهارة التفريغ الإيجابي للغضب:
1
- الاستعاذة بالله من الشيطان: عن سليمان بن صرد قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلّم، ورجلان يستبّان، فأحدهما احمّر وجهه وانتفخت أوداجه (عروق في العنق) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد. لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد) -رواه البخاري-
2
- السكوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت) -رواه الإمام أحمد-
3
- السكون:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه، حدثت له في ذلك قصة: فقد كان يسقي حوضاً له فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه. (والمراد أن أبا ذرك كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض).
وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له: يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت؟ قال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم... وذكر الحديث بقصته في مسند أحمد.
4-
حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم:عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب. فردّد ذلك مراراً، قال: لا تغضب -رواه البخاري-
وفي رواية قال الرجل: ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله -مسند أحمد-
5-
لا تغضب ولك الجنة: حديث صحيح: صحيح الجامع 7374. وعزاه ابن حجر إلى الطبراني، انظر الفتح 4/465.
6-
معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه: قال رسول الله (ص): «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه.
عزيزي القارئ: في الجزء التالي من هذه المقالة نتابع مع توجيهات إسلامية في التعامل مع الغضب، والتعامل مع الشعور بالذنب التالي للغضب، ثم نتابع بإذنه تعالى الحديث عن غضب المربّين وكيفية التعبير البنّاء عن الغضب.
-- للحديث تتمة ---