الحزن والاكتئاب من المنظور الإسلامي
----------------------------------------------------
علاج الحزن
يمكن أن نقسم علاج الحزن كما ورد في القرآن والسنة المطهرة إلى الأقسام التالية:
أولاً:العلاج الإيماني للحزن:وهذا النوع من العلاج تميز به المنهج الإسلامي على غيره من المناهج النفسية، فيكون عن طريق:
1-الإيمان والعمل الصالح: يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل:97)، فأخبر الله تعالى ووعد - وهو الذي لا يخلف الميعاد - من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار، وسبب ذلك أن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح يتلقون المنافع بشكر الله عليها واستعمالها فيما ينفع، ويتلقون المضار بالمقاومة بما يمكنهم والصبر الجميل. (السعدي،ت 1376 )
2-الإيمان بالقضاء والقدر: يقول تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (الحديد:22-23). فيقول الإمام الزمخشري في تفسير هاتين الآيتين: يعني أنكم إذا علمتم أن كل شيء مكتوب ومقدر عند الله، قل أساكم على الغائب، وفرحكم على الآتي، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة، لم يتفاقم جزعه عند فقده، لأنه وطن نفسه على ذلك، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال،لم يعظم فرحه عند نيله. فالتسليم بقضاء الله وقدره يعد من الأسس التي يستند عليها، ويستأنس بها عند وقوع المصائب وعند الإخفاق والفشل. فالمؤمن لا يحزن ولا يضجر لما قدر له. (النغيمشي،1421)
3-الصبر عند البلاء : يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُون وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (البقرة:153-157)، والمتأمل في هذه الآيات يراها قد أمرت المؤمنين بأن يستعينوا بالصبر والصلاة، ثم أخبرهم الله تعالى بأنهم سيتعرضون في حياتهم لصنوف من المكاره،كالخوف والجزع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تقبلها بثبات لا جزع معه، وسيثيبهم الله على ذلك ثواباً عظيماً . والمنهج الإسلامي ربط بين الشدة والمعاناة وبين الجزاء المترتب عليهما، فقد ورد عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ( لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ (1) فإن الصبر واحتساب الأجر يزيل مشاعر لوم الذات والندم المستمر والشعور بالذنب التي يقررها علماء النفس كأعراض مصاحبة لحالات الحزن والاكتئاب، فليس أفضل من أسلوب بث الأمل في نفس المصاب والنظر إلى المصيبة بمشاعر حسن البلاء وانتظار الجزاء والنظر إلى أن تكفير الذنوب والتجاوز عن السيئات من مقاصد الابتلاء والعناء في هذه الحياة. (النغيمشي،1421)
4- عن طريق الدعاء لله وتقوية العلاقة به: فهذا أفضل ما يتسلح به المؤمن، والدعاء منه ما يكون وقائياً أو علاجياً: فالدعاء الوقائي يتمثل لنا في قوله : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) (1). والدعاء العلاجي يتبين لنا في قوله : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ؛ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه أبو داود في سننه، باب في الاستعاذة، 2/1555.
وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (1) .
ثانياً: العلاج الكيميائي للحزن:وذلك باستخدام أشربة وأطعمة تؤثر في كيميائية الجسم. فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الميت وكانت تقول إني سمعت رسول الله يقولالتَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ)(2).
ثالثاً: العلاج السلوكي للحزن:وذلك بالقيام بأنشطة سلوكية عملية، قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر:97-99). وكما قال عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ ) (3) .
رابعاً: العلاج المعرفي للحزن:ويتم ذلك عن طريق التعامل مع الأفكار والمعتقدات ومنها:
أ-النظرة الإيجابية للابتلاء :قال رسول الله (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) صحيح ابن حبان، ذكر البلاياء بالمرء قد تحط خطاياه بها، 7/2924.
2)أخرجه البخاري،باب التلبينة للمريض،5689.
3)رواه أحمد في المسند5/319.
4 )أخرجه البخاري، في كتاب المرضى،باب ما جاء في كفارة المرض 7/2.ومسلم في كتاب البر، باب ثواب المؤمن 4/1990.وأحمد في المسند، 2/303،335
وقال : (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (1) . فهنا نرى أن للمصيبة والأحزان عند المسلم مفهوماً خاصاً، فهو علامة على محبة الله للعبد، فإذا اعتقد المسلم هذا اطمأن وزاد استسلامه لقدر الله (الخاطر،1412).
ويرى علماء النفس المعرفيون أن الاستهداف للمرض النفسي يقع عندما يحاول الفرد تفسير الأحداث التي تواجهه، ويعيد صياغتها بناءً على معتقداته، وأنماط تفكيره، وإدراكه للموقف أو الحدث الذي يواجهه . فالفرد يشعر بالحزن عندما يدرك الموقف ويفسره على أنه ينطوي على خسارة، أو هزيمة، أو حرمان، أو فقدان لشيء مهم. وعادة ما نستجيب لهذا الموقف بالانسحاب منه وتجنبه ( عبد الستار،1998).
ب_ رفع مستوى تقدير الذات :قال تعالى : وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين (آل عمران:139)، فالنفس الضعيفة تقبل الانهزام بسهولة، وهنا دعوة للشعور الذهني بالإعزاز والاستعلاء الذي يجب أن تكون عليه ذات المؤمن الذي بلا شك سيؤثر على السلوك . يقول السعدي في هذا الشأن ما نصه: " واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة، وإلا فالأمر بالعكس".(السعدي،ت1376) فالشخص المكتئب يرى ويصف نفسه بالقصور، والنقص، وينسب ما يمر به من خبرات غير سارة إلى عوامل شخصية فيه كالقصور النفسي أو العقلي، أو أنه قاصر اجتماعياً؛ ولهذا نجد أن من الأعراض الرئيسية التي تسود بين المكتئبين، ميلهم إلى وصف الذات بالتفاهة ، والنقص ، والعجز.
ج_تخفيف المصيبة وتقدير أسوأ الاحتمالات :قال تعالى : فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (آل عمران:153). فإشاعة مقتل النبي (الغم الثاني) أعظم من فوات الغنائم أو الجراح للصحابة (الغم الأول)، فعندما علم الصحابة بأن النبي مازال حياً اطمأنوا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
2)أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير، 4/227.
وفرحوا فلم يحزنوا على ما فاتهم ولا على ما أصابهم، والنبي يقول:فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي) (1). فمن الأشياء التي تعالج الحزن تقدير أسوأ الاحتمالات، وأن ينظر الإنسان إلى من هو أسوأ حالاً منه، وأن يعلم الحجم الحقيقي للمصيبة (الخاطر:1412). فمن الأخطاء في التفكير التي تثير الاضطرابات النفسية والوجدانية التي نلحظها في حالات الاكتئاب المبالغة والتهويل في إدراك الأشياء وإضفاء دلالات مبالغ فيها كتصور الخطر والدمار فيها.
د- استخدام النموذج وضرب الأمثلة في التخفيف من الحزن:ففي الحديث الذي رواه البخاري أن خباب جاء إلى رسول الله وكان متوسداً بردة في ظل الكعبة، وقال له:ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال : (لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ) (2).
إذن نستنتج مما سبق أن في القرآن والسنة الوقاية والعلاج لحالات الحزن والاكتئاب؛ وباستقرائنا لهذا الموضوع كما ورد في القرآن والسنة المطهرة نلاحظ أنه من الشمول والتنوع مما عجز عن تحقيقه العلاج النفسي الحديث، إلى جانب أنه احتوى على كثير من المناهج العلاجية النفسية الحديثة التي يستخدمها المعالجون النفسيون اليوم على المستوى السلوكي والمعرفي ويزيد بالجانب الإيماني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه ابن ماجه، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، 1/1599.
2)أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة، 4/179.
--------------منقول من موقع أكاديمية علم النفس ------------