حوار مع د. علي الحمادي حول كتاب الكنز الذي لا يكلفك درهما
-------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه , يحب تكوين العلاقات وبناء الصداقات ,, والفطرة السليمة تمج ُّ الانعزال التام , وتستهجن الانطواء , ومهما كان الإنسان منطويا فإنه يسعى لتكوين علاقات مع الآخرين ولو محدودة جدا .. إن الله تعالى قرر مبدأ التعامل بين الناس , والعلاقة تربط بينهم لا تقوم على روابط الدم فحسب فهناك روابط الفكر والعمل والوظيفة والصداقة والجنس والعقيدة وغير ذلك ..إن التعامل مع الآخرين مهارة لا يحسنها الكثير وهي مهمة وصعبة وفي هذه الدراسة بعض الأساليب التي ينبغي على الإنسان أن يتنبه لها ليكسب مودة الآخرين ..
أولا : القاعدة الأولى : اقبل معاذير من يأتيك معتذرا مرتبطة بقاعدة العفو والصفح والفرق بين العفو وبين الصفح أن الصفح يطلب من المخطيء الاعتذار والوعد بعدم التكرار ثم يعفو عنه , بينما العفو فيكون دون أن يعتذر المخطيء أصلا !! وقبول الاعتذار خلق الكرام والمسلمين , ومثال رائع جدا من الإمام أحمد بن حنبل لقد ختم حياته بالعفو عن الجلاد الذي ألهب ظهره بالسياط , ويقول لابنه : يا بني ماذا ينفعك أن يُعذَّب أخوك بسببك ؟!
وأكرم من قبول الاعتذار أن تعفو دون اعتذار من المخطيء فلا تضطره إلى الحرج ..
ومع أهمية هذه الخصلة إلا أنه يجب بالمقابل عدم قبول اعتذار من اعتاد المراوغة والخداع إذا كان العفو لا يؤدبه بل يزيده استهتارا ..
. . . . . .
ثانيا : اخلع النظارة السوداء بعض الناس يسرفون في التشاؤم وتضخيم السلبيات , ولا يتذكرون الإيجابيات أو الحسنات ..
وقد حث الإسلام على التفاؤل وحذر من التطير والتشاؤم فقال تعالى لسان يعقوب عليه السلام :
{يابني َّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين }
وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بمستقبل الأمة حتى في أحلك الظروف كما في حديثه مع عدي بن حاتم .
ثالثا :مخطيء من ظن يوما أن للثعلب دينا قد يتعرض الإنسان إلى من يمارس معه الخداع والكذب والكيد والتمويه ؛لذا عليه أن يكون سريع البديهة
وهذه موهبة فطرية يهبها الله لمن يشاء , وقد تكون موجودة ولكن ضامرة تجتاج إلى صقل وتدريب .
ولعل أهم ما ينمي الذكاء وسرعة البديهة الاستعانة بالله عز وجل والعلم ومرافقة الأذكياء وعدم التسرع وحسن الإعداد والتخطيط .
رابعا :الراحة التي يعقبها ندما من الأخطاء الشائعة التي تسبب التوتر بين الناس أن الغاضب يجب أن يفرغ شحنة غضبه ليرتاح فيحرق الأخضر واليابس إن لم يحرق نفسه أولا .. والغضب داء عضال بل هو مهلكة وسبب لكل قطيعة , والتأكيد على ضبط النفس عند الغضب مطلب حيوي لكل من يرغب النجاح في التعامل مع الآخرين .
خامسا : الكنز الذي لا يكلف درهما انه الابتسامة , مفتاح كل خير ومغلاق كل شر , لها الأثر السحري والمفعول العجيب وقبل أن يأر أصحاب المؤسسات موظفيهم بالابتسامة كجزء مهم من واجبات الموظف أمرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بها فقال :"تبسمك في وجه أخيك صدقة "
ويقول : "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق "
ويؤكد علماء النفس على أهمية الابتسامة ودلالاتها حتى إنهم يقولون إن الأطفال الكفيفين يقومون بالابتسام بطريقة تلقائية وفي وقت لاحق يبتسمون عند البلوغ فهي عمل طبيعي لا تقليدي .
وتستخدم أجزاء الدماغ المختلفة لإظهار الابتسامة الحقيقية والمصطنعة والإرادية واللا إرادية..
كما قسموا الابتسامة إلى الأنواع التالية :
-1- ابتسامة المتعة / 2- الابتسامة البسيطة / 3- الابتسامة الزائفة / 4- الابتسامة العريضة / 5- الابتسامة البائسة / 6- الابتسامة العلوية ..
//////
سادسا :كن متفضلا في غير منَّة :تمر على الإنسان حالات مختلفة بين الضيق والسعة , بين السعادة والشقاء ..ولا يدوم على حال فهو كما قال الأندلسي أبو البقاء الرندي :
هي الأمور كما شاهدتها دول **من سره زمن ساءته أزمان ُ
وعندما يبتلى الإنسان بظروف سيئة فإنه يحتاج مساعدة الآخرين والمُحسِن يأسر الآخرين ويملك قلوبهم خاصة إذا كان هذا الإحسان بلا مقابل ودون انتظار للشكر أو الحمد والثناء .
وقد قيل لبعض الحكماء : هل من شيئ خير من الذهب والفضة ؟ فقال : معطيهما "
وينبغي الإشارة إلى بعض الامور المهمة التي يجب أن يتنبه إليها المُحسن حتى لا يخسر إحسانه:
1- أن يكون عمله خالصا لوجه الله الكريم
2- أن يقدِّم المعروف ويساعد الآخرين وهو محب ومستبشر بالعطاء , يقول زهير في أجمل أنواع العطاء :
تراه ُ إذا ما جئته متهــــــــــــلــِّلا *** كأنك تعطيه الذي أنت َ سائلـــُه
3- أن يحذر المنة ويبتعد عن التكبر والعلو تعداد مآثره على الناس والإحسان المتبوع بالمنة لا خير فيه ومنهي عنه شرعا وعرفا .
4- ألا يصاحب بذل المعروف تقريع على ذنب أو معاتبة على خطيئة .
. . . . . .
سابعا : ترفع عما في أيدي الناس تكن محبوبا لهم فطر الله الناس على الطمع والنظر فيما في أيدي الآخرين يورث المهانة والذل ويتسبب في كراهية الناس , وفي الحديث " الغنى غنى النفس " "
ومن كثر تمنيه كثرت حاجته للناس ..لذا يجب الإشارة إلى أهم الوسائل المساعدة على الابتعاد عن الطمع والتعويد على القناعة ذكرها أبو حامد الغزالي :
- الاقتصاد في المعيشة والرفق في الانفاق .
- إذا توفر في الحاضر ما يكفي فلا تقلق بشأن المستقبل .
- أن يتأكد الإنسان أن في القناعة عزة وفي الطمع ذلة .
- أن يكثر تأمله في نعيم الكفار والحمقى وأراذل الناس ثم يتأمل أحوال الأنبياء والصالحين .
- أن يتأمل سلبيات الطمع في كثرة المادة كالخوف عليها والقلق دينيا ودنيويا .
- . . . .
ثامنا : لا تجعل لأحد عليك منة من أراد أن يكون محترما مقدرا بين الناس لا يجعل لأحد عليه منة , فعلى الإنسان أن يعمل ويجتهد ولا يترقب منح الآخرين فقد سئل الأحنف عن المروءة فقال : " العفة والحرفة " ويقول علي رضي الله عنه لابنه الحسن : "يا بني إن استطعت ألا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل "
ومن اضطر لسؤال الناس فعليه التنبه لعدة أمور منها :
-أن يتجافى التوسل والذلة بل يعرض حاجته بأدب لا ذل معه .
-أن يطلب فقط ما دعته إليه الحاجة .
أن يعذر إذا مُنِع .
- أن يسأل من هو أهل لللمسألة وهو من كان : كريم الطبع , سليم الصدر , متمكنا من المسألة .
. . . .
تاسعا : اشفعوا تؤجروا :الشفاعة الحسنة للآخرين هي مرضاة للرب كما أنها سبيل لمحبة الناس ,ويستثنى من هذا صنفان من الناس :
- قسم لا تزيده الشفاعة إلا تقصيرا واتكالا .
- وقسم تؤدي الشفاعة له إلى مفسدة أكبر .
- . . . .
عاشرا : اجعل الشخص الآخر يشعر بأهميته :هذه من القواعد المهمة في السلوك الإنساني ,وإن من أقسى المشاعر الشعور بالتهميش وعند إشعار الآخرين بأهميتهم يستجيبوا أكثر بشكل أو بآخر .
. . . .
الحادي عشر :إذا أردت أن تندم فاكسر هذه الزجاجة للبشر كرامة وكبرياء ينبغي ألا تجرح ويحسن بالإنسان استخدام الكلمات فالفرق كبير بين قولك لأحدهم :أكلفك بفعل كذا أو إن لم تفعل كذا سيكون عقابك كذا وبين قولك : لو سمحت يا أخي هل من الممكن أن تفعل كذا ؟
ففي هذا احترام للناس وتقدير يجبرهم على حبك وودك .
. . . . .
الثاني عشر : بل أنتم الكُرَّار الإنسان مجبول على حب المدح والتشجيع لذا كان يشجع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة ويثني على أبي بكر وأصحابه .وكان يلقبهم بألقاب لها أعظم الأثر في نفوسهم كأمين الأمة .
فاختر الصفة الجميلة في الآخر وحفزها تكسب صاحبها .وتثير فيه الحماس والتحدي .
. . . .
الثالث عشر : لا تنفخ البالونة فتنفجر بعض الناس يبالغون في مدح الآخرين , وهناك فرق بين التشجيع وبين النفاق والتملق والخداع حتى أن الناس تمج ولا تقبل هذا النوع من المجاملين "احثوا التراب في وجوه المداحين "
وللإفراط في المدح آفات ست : يؤدي للكذب / يدخل الرياء لنفس المادح / قد يقول ما لا يتحققه مثل :إنك زاهد / قد يُفرح الممدوح وهو ظالم وفاسق فيعينه على الظلم / قد يدخل الممدوح الكبر والإعجاب / قد يدخل الممدوح الفتور إن مدح على الخير واكتفى بما قدم ..
الرابع عشر : وصية الله في سورة الأنعام وصايا جليلة وصى بها الله عباده {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون } إن العدل والمساواة تطمئن القلوب وتكسب الثقة ومن أشد الأمور إيلاما على الأبناء أو الطلبة أو الموظفين شعورهم بالظلم وعدم المساواة وهناك أمثلة كثيرة على العدل أبرزها قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع المرأة المخزومية وقوله العظيم :وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "
. . . .الخامس عشر :قال : اطلب لها رُجيل صاحب الهمة العالية يجب أن يسأل عن الأمور العالية ويبتعد عن سفاسف الأمور ولا يضيع وقته وجهده فيما لا طائل وراءه .مهما كان هذا يسر بعض الناس بل يجب أن يوجه الآخرين معه إلى الأعلى والأهم .
. . . . السادس عشر : قلها واسترح!!الاعتراف بالحق مكرمة وفضيلة والإصرار على الخطأ منقصة ورذيلة وعندما يعترف الإنسان بخطئه يقي نفسه الحرج فلا صغيرة مع استكبار ولا كبيرة مع استغفار "فإذا تيقنت من خطئك عليك بمراعاة أمور ستة : قل الحق وانطق بالصدق / اختر الوقت المناسب للاعتذار /اعتذر بأدب وعاطفة /أكثر من الاستغفار والتوبة لله عز وجل أولا وآخرا /كن واسع الصدر لتقبل لوم الآخر / كفر عن خطئك بالإحسان ..
السابع عشر :كن أنــــــــت :لتكن لك شخصيتك المستقلة فالناس تحترم المستقل لا الإمعة أو المقلد .ولا يعني هذا عدم الاستفادة من تجارب الآخرين وشخصياتهم ولكن المقصود عدم التقليد الأعمى كأن يتكلف كلاما أو طباعا ليست له .
. . . .الثامن عشر : من سقطت كلفته دامت ألفته لا تتكلف للآخرين ولا تكلفهم مجاملتك بما لا يطيقون وكن معهم كما لو كانوا لوحدهم . ولا ينبغي الفهم من هذا الاستخفاف بالآخرين ولانبساط الممجوج معهم فهو على أنفسهم أشد .
. . . .التاسع عشر :من كان له صبي فليتصاب له :تعامل مع الآخرين حسب أعمارهم ومراحلهم فلا يفترض أن يفكر المراهق كالرجل الراشد بل يلعب مع الطفل ويخاطب الصغير بعقله وكذلك كان يفعل أسوتنا صلى الله عليه وسلم فكسب قلوب الصغار والكبار.
العشرون :الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف
من الناس من له علاقات كثيرة أينما حل وارتحل وآخرون لهم علاقات محدودة .. وهذا يرجع إلى طبيعة كل منهم .. ومن ذلك الإقدام والمبادرة بالتعارف واكتساب المحبة من الآخرين وهذا خلق أهل الهمم العالية والنفوس الكريمة ولا سيما الحرص على التعارف مع أهل الخير والفضل والعلم وهذه المبادرة تحتاج إلى عدة امور منها :1- الاقتناع بأهمية التعارف واحتساب الأجر , 2- الجرأة وعدم التردد , 3- الثقة بالنفس , 4- الاستفادة من الفرص والمواقف , 6- ترك الخجل والحساسية المفرطة , 7- حسن الاستهلال والعناية بالانطباعات الأولى ,..
كما يجب اختيار الزمان والمكان والحديث المناسب لبدء التعارف لأنه المؤثر الأول على نوع العلاقة الإنسانية التي ستنشأ بين الطرفين .
---- منقول من موقع مهاراتي -----