كيفية إحياء ليلة القدر والاستعداد لها وفضل هذه الليلة

د.وهبة الزحيلي

كيف نحييها؟
ا يطلب إحياء الليلة برمتها أو بكاملها وإنما يطلب التفرغ للعبادة في بعض
أجزائها والله سبحانه وتعالى كريم وصفي يعطي الكثير على القليل ويعطي
الجزيل على الحقيق فنحن عبا د الله عزوجل ونحن دعاة ونحن مخلوقون من بعثي
فالله جل جلاله لم يكلفنا شيء يكون زائد عن الطاقة وإنما قال:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾

[ سورة التغابن: الآية 16]

وقال:

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[ سورة البقرة: الآية 286]

فهذا الجزء الذي نحييه من ليلة القدر أو في
الليالي الأخرى ينبغي أن نستعد له الاستعداد الكامل اللائق به كما يستعد
بعضنا في استقبال بعض ضيافة أو في حفل عرس أو في استعداد من أجل ولادة
مولود وقد طال الأمد في انتظاره أو الاستعداد في التحالف من أجل طرد العدو
الذي يغتصب الديار والأموال ويشرد إخواننا في كل مكان، هذا الاستعداد إذاً
يجب أن يكون على مستوى الحدث، وحدث العبادة هو أن نبدأ أولاً بالتطهر
والطهارة الصحيحة الكاملة، والتي يكون فيها استكمال لأركان الوضوء وشرائطه
وآدابه وإثبات الوضوء على النحو المشروع ثم نفرغ إلى أداء الصلوات التي هي
تطوع كصلاة قيام الليل أو التهجد، كصلاة ركعتين على الأقل أو أربع أو ثمان
وأقصى ما كان عليه الصلاة والسلام يصلي في الليل هو ثمان ركعات من
التطوعات، لكن صلاته كان يطيل فيها إطالة لا نتحملها نحن، وكان يصلي في
الركعتين أربع سور كبرى ؛ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة
المائدة في ركعتين من الركعات التي هي حوالي ستة أجزاء في هاتين الركعتين.
وهذه صلاة منفردة، لأن الصلاة الجماعية ينبغي أن نكون فيها مراعين لأحوال الناس:
قال عليه الصلاة والسلام:
" من أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة."
وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمَّ
الناس فسمع بكاء طفل فإنه كان يسرع ويخفف في صلاته. هذه الصلاة الفردية
إذاً بحسب كل إنسان وبحسب طاقته الجسدية، ثم بعد أن يؤدي هذه الصلاة يتجه
إلى التأمل في هذا الكون والكتاب الكوني الأعظم وهو القرآن الكريم، ثم يقرأ
ويتلو ما شاء الله أن يتلو، ويفهم ويدرك معاني آيات القرآن قال تعالى:

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾

[ سورة محمد: الآية 24]

ثم بعد هذه الجولة من الصلاة وتلاوة القرآن
والتوجه إلى الأذكار والتسابيح والتهاليل ويعقبه الاستغفار والإنابة إلى
الله جل جلاله ويبكي على خطيئته، ويتوب توبةً خالصةً نصوحاً إلى الله
سبحانه وتعالى وإذا أحس بأنه ظلم إنساناًُ فلا تقبل هذه التوبة حتى ترد
الحقوق إلى أصحابها، ولذلك ينبغي أن يهيئ نفسه وأسرته لأن النبي عليه
الصلاة والسلام كان إذا حل العشر الأخير من رمضان أيقظ أهله وشد المئزر
وتفرغ إلى الصلاة، وينبغي أن نستعد نحن وأسرتنا والنساء أنا أفضل كما فضل
النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاتهن في بيوتهن، لا داعي للمجيء
للمساجد فأفضل صلاة المرأة في بيتها، والمساجد للرجال لهذا حكمة بالغة
نلاحظها في هذا العصر الذي نعيشه فإذاً هذه التدريبات وهذا الاستعداد ينبغي
أن يكون لائقاً بعظمة الحدث وبستغلال فضله، والتعرف لإدراك آثاره ومنها أن
يحيا برضوان الله جلاله، وبمغفرته وإثبات رحمته، ليست الدنيا فقط إنما في
الآخرة، فشهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، و آخره عتقٌ من النار، أي كل
عشرة أيام مرحلة من المراحل تمتاز بمزية خاصة، فإذا العشر الأخير من رمضان
وهو العشر الذي يقترب فيه انتهاء هذا الشهر، فينبغي أن نستغل لياليه، لا في
ليلة القدر فقط إنما في لياليه كلها كما كان النبي الأعظم صلوات الله عليه
وسلم يفعل أي كان يخصص ليلة القدر جهداً أكبر وطاقة أعظم وتفرغ للعبادة
التلاوة والأذكار والاستغفار والتوبة النصوح خالصة والدعاء للمؤمنين
والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها كأن يخلصهم من كل مكروه وأن يفرج عنهم
كل هم، وأن ينصرنا على أعدائنا وأن يقوي أخواننا المجاهدين في كل مكان في
هذا العالم فالله سبحانه وتعالى يستجيب بهذا الدعاء لأنه كما قال عليه
الصلاة والسلام لو بغى جبل على جبل لدك الباقي


ما فضل هذه الليلة؟
ن فضل الله و كرمه على المؤمنين و المؤمنات في هذه الليلة العظيمة المباركة
أنهم يتعرضون لرحمات الله و تجلياته و خيراته فهي ليلة البراءة و هي ليلة
تقدر فيها الأرزاق و الآجال للسنة القادمة و هي لا يكتب فيها شيء من الشقاء
لهذه الليلة المباركة. هي ليلة يغفر فيها كل ذنب للإنسان إذا كان في حالة
استقامة و طاعة لله جل جلاله، فالسعيد هو من تعرض لهذه الرحمات و هذه
التجليات، و الشقي كل الشقاء هو من أعرض على هذا المنهج و لم يتعرض لرحمات
الله سبحانه و تعالى فهذا موسم الخير و هذا موسم الرحمة و هذا موسم المغفرة
و هذا موسم دخول الجنان، فإذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة و غلقت أبواب
النار و صفدت الشياطين و تزين الجنة في هذه الليلة و في آخر ليلة من رمضان
لينال الصائمون و الصائمات جزاء عملهم و إكرام الله لهم ثم يكونوا في العيد
متعرضين للمغفرة حيث تقول الملائكة لهم و هم قادمون من صلاة العيد و في
مطارق الطرقات: يا معشر المسلمين اغدوا إلى رب كريم يمن بالخير ثم يأتي
عليهم لقد أمرتم بالقيام فقمتم و بالصيام فصمتم و أطعتم ربكم فاقبضوا
جوائزكم و هذا اليوم يسمى في الأرض يوم الجائزة و في السماء يسمى يوم
الجائزة و إنما ننال هذا التكريم الإلهي و المكافأة السخية من الله تعالى
على هذا الإنجاز الطيب المبارك في رمضان كله و بالذات في ليلة القدر.