من شعر جلال الدين الرومي
قصة الناي
-------
-استمع للناي كيف يقص حكايته.انه يشكو آلام الفراق (يقول):
اسمع الناي معربا" عن شكاته
بعد أن بات نائيا عن لداته
-"إنني منذ قطعت من منبت الغاب.والناس رجلا" ونساء يبكون لبكائي "
قائلا في شكاته للعباد
بعد صحبي ما ضقت طعم الرقاد
-إنني انشد صدرا مزقه الفراق، حتى اشرح له ألم الاشتياق
من جروح ترى بصدر الحزين
ابعث الصوت مشبعا بالأنين
فكل إنسان أقام بعيدا" عن أصله، يظل يبحث عن زمان وصله
كل من فارق الديار اقتسارا"
يطلب الوصل ليله والنهارا"
-لقد أصبحت في كل مجتمع نائحا، وصرت قرينا للبائسين والسعداء
فتراني بكل واد أنوح
وفؤادي من الغر
ام جريح
-وقد ظن كل إنسان انه قد أصبح لي رفيقا، ولكن أحدا" لم ينقب عما كمن في باطني من الأسرار.
كل شخص يظنني من صحابه
وهو عن سر نوحي في حجابه
-وليس سري ببعيد عن نواحي، ولكن أنى لعين ذالك النور أو لأذن ذالك السمع الذي به تدرك الإسرار؟ .
وقريب من نوحتي سر نفسي
لو بسمع الأنام قوة حسي
وليس الجسم بمستو عن الروح ،ولا الروح بمستور عن الجسم ،ولكن رؤية الروح لم يؤذن بها لإنسان .
كل روح من جسمها من إهاب
والفتى عن شهودها في حجاب
-إن صوت الناي هذا نار لا هواء، فلا كان من لم تضطرم في قلبه مثل هذه النار
نوحة الناي لفحة من سعير
لا هواء، فلا تكن بالغدير
-وهذه النار التي حلت في الناي هي نار العشق ،كما ان الخمرة تجيش بما استقر فيها من فورة العشق .
تلك نار بقلبه وهيام
حين جاشت من الغرام المدام
ان الناي نديم لكل من فرقه الدهر عن حبيب، وان انغامه قد مزقت ما يغشي أبصارنا من حجب .
هو خل لكل صب غريب
و(نوا)ه شقت حجاب القلوب
-من رأى مثل الناي سما" وترياقا"؟_من رأى مثل الناي رفيقا مشتاقا"؟.
هو فينا مصاحب ومشوق
وحياة لنا وموت حقيق
ان الناي يروي لنا حديث الطريق الذي ملأته الدماء، ويقص علينا قصص عشق المجنون .
كم روى قصة لصب صريع
بطريق ملطخ بالنجيع
وهذه الحكمة (التي يرويها )قد حرمت على من لا عقل له، فليس هناك من يشتري بضاعة اللسان سوى الأذن.
افأهل الإحساس من لا يحس
ونتاج العقول في السمع رس
-لقد أصبحت أيامنا متشابهات في الهموم ، وصارت الحرق والآلام ملازمة لهذه الأيام .
افقد الغم حسنا بالزمان
وتداعى لمحونا النيران
فإذا ذهبت الأيام فقل “اذهبي، فلا خوف لدينا من (من ذهابك)ولتبق أنت يا من ليس لك نظير في الطهر والنقاء ".
قل لنكد السنين مري سراعا
ان من بات طاهرا لن يراعا
-كل من لم يكن من فصيلة السمك فانه يشبع من الماء، وكل من كان بلا رزق طال يومه.
سمكا ان تكن فلست لتروى
يا مهيبا بالحظ من غير جدوى
ولا يستطيع غر ان يدرك حال من أنضجتهم التجارب ،فلنقصر القول على ما قلناه ولنكتف به .
لم يكن للعليل حال المعل
فلا قصر من الحديث الممل
----------------------------------------------------------------------------------------------
كل الشرح مصحوب بإشارة (-) من ترجمة الشاعر محمد الفراتي والقصيدة مأخوذة من الجزء الأول والثاني من (مثنوي) الذي ترجمه عن الفارسية وجاء في ستة مجلدات