ودّعتُ المطر.. مبقية دموعهُ على خدّي تذكار عطاء.. ومشيتُ في طريقي.. أتدحرج من قمّة إلى هاوية إلى حفرة موغلة في العمق..لا ألوي على أمل..!.
صادفتهم في حفرةٍ ذات حزن، كانوا غرباء الملامح والوجوه..
قالوا لي: لم أتيتِ؟
قلتُ: لقد تهتُ طريقي فما اهتديت!
قالوا لي: تعالي فقد آن أوانكِ..
هيا فلتتجرّدي من شحوبِ الشّتاء، ولتزيحي الملامح الباردة التي تشي بكِ، بأنكِ لم تري شمساً قط.!.
وقبل أن أنبس ببنت شفة موافقةً أو رفضاً.. اختطفوني من مكاني.. أو بالأحرى...
اقتلعوني.......
حاولت الصّراخ........ فمنعوني! كانوا يبتسمون بطريقة غريبة، وكأنهم يعرفونني..
قال أحدهم لي: لقد وقع عليكِ الاختيار، وسيجري عليكِ اختبارٌ خاص، لكنّه جداً عسيرٌ فاصبري، ستتألمين حتماً.. ولكن.. لا تنطقي، ستصارعين الموت ألواناً.. ولكن.. لا تستسلمي!
أدخلوني كهفاً مظلماً، وبأيديهم معاول وسكاكين أرعبتني..
أَلْجمني الذُّهول فما استطعت صراخاً.. وهرولت غيمتي السّوداء فوقي تظللني، وعلمت لحظتها بأني أصارع مأساتي.. فقلت لها ارحلي الآن يا غيمة.. أو أرسلي لي عبركِ قبساً من شعاع الشمس يهديني..
ولم أكمل حروفي.. حتّى غرقت في دوّامة من الألم المبرح.. وابتدأ الطّرقُ على رأسي وقدميّ وسائر جسدي..
كان الألم رهيباً، تصحبه الوحشة، أوجاعٌ شتّى غزتني حتى ما عدت أشعر بالألم، تمنيت أن أصرخ، لكنني آثرت الصّمت برضا.. حاولت البكاء لكنّ دموعي تلاشت منذ أن بدأت السّكين تعمل في أطرافي قطعاً.. وتلاشت مني اللغات وحتى دموع المطر، وعرفتُ أنّي في لحظة قريبة من الموت.. أو ربما من الحياة..
فأحياناً يكون الموت طريقاً إلى حياة، وأحياناً لا يكون للحياة طعم سوى الموت!
وتحاملت على نفسي وعزّيتها بوشوشة هادئة نطق بها قلبي من فرط الألم.
- اصبري، وتحاملي على جراحك، وتماسكي.. أمر عظيم أن تتماسكي وتثبتي أيتها الحرّة! فستغدين يوماً شيئاً عظيماً إن نجحت الآن في اختبارك..
لم أدرك حقاً لم أنا هنا؟ ولم عليّ أن أتقبّل كلّ هذا بصمت! لكنني فعلت..
فأحياناً نستجيب لذلك النداء الخافت في ذواتنا دون أن نعترض، وباستسلام وتسليم..
حضرت أخيراً لحظة صمت..
عرفت فيها أن الآلام قد ودعتني..
في هدوء مغلف بالحذر، تأملت الملامح المحيطة بي.. فشعرتُ بأنّي قد تغيّرت في عيونهم!
لم أفهم سرّ التّغيّر.. ولم أسأل! فقد اعتادني الصمت..
أتاني أحدهم واصطحبني إلى النّور..
حملني كما يحملُ شيئاً ثميناً، وأحاطني بقطيفة فاخرة، ثمَّ أخفاني بعيداً عن عيون النّاس..
غادرت الظلمة فجأة، وبهرني ضوء ساطع، أغمضت عينيّ ثم فتحتهما ببطء..
وجدتني في مكان فخم، أتربع في صدارته، ورأيت النّاس يتأملونني بانبهار شديد، وكأنني لوحة نادرة..
قلّبت نظري أبحث عن مرآة.. فقد غزاني فضول شديد لأتعرّف على نفسي..
وأخيراً صادفتُ مرآة خلفيّة قريبة، التفتُّ إليها بلهفة.. ولم أصدّق ما رأيت!
أكان حقيقة أم حلماً.. رأيت ماسةً رائعةً أمامي.. وعرفت أنّها أنا.. وتوثقت أنّ هذا لم يكن حلماً..
استرخيت على مقعدي الوثير في معرض الجواهر..
وأخذت أقصّ لرفيقاتي حكايتي..
منذ أن كنتُ قطعة فحم حجريّ بائسٍ.. حتى تحوّلي إلى ماسة نادرة