غيّر اعتقاداتك.. تُغيّر حياتك
إنَّ مبدأ كلّ علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنَّها توجب على التصورات, والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تقتضي العادة ، فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها.
إن ما نكوّنه من المعتقدات والأفكار، سواء أكان ذلك عن أنفسنا أو عن الثقافة السائدة والبيئة المحيطة بنا، ما هي إلا مجموعة من الأفكار البنكيَّة المتراكمة، والتي كانت محصّلة سنين، صنعها الإنسان إما من لبنة تراكماته المعرفيَّة أو من خلال جعل نفسه قالباً بين يدي الآخرين فيصنعوه ويصنعوا أفكاره وإنجازاته، ويجعلوا منه وسامًا أسودًا على صدر أحد المتقاعسين، حتى إذا ما ذروه استنطقوا من ألسنتهم عبارة: هذا ما جنت به براقشُ على نفسها.
غيّر معتقداتك تغيّر حياتك، عبارةٌ يتداولها الناجحون في أسواق من يحاولون أن ينفضوا ركام الكساد التغيريّ عن أفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم، بدأوا نجاحاتهم بفكرةٍ أطعموها من فتات قلوبهم، وسقوها من عرق جدّهم وعلوِّ هممهم، كانوا يحملونها فأصبحت تحملهم وتسير بسيرهم، فإذا ما رأيناهما تساءلنا “هل الناجح يحملُ الفكرة أم الفكرة تأسره فتحمله على أكتافها؟”.
علَّمتني الحياة أنّي إذا أردت أن أبلّغ الأمةَ الإسلامية المكانةَ التي تليق بها، فلا بد أنْ أحقق نصرًا مميَّزًا على صعيديَ الشخصيِّ، وهذا النصرُ لا يكون إلا من خلال حزمٍ فكريةٍ أوقد فيها فتيلةً، فتشعل في نفسي نارًا تتوقّدُ, وعزيمةٌ تثور، لننطلق منها أفقيًّا إلى تغيير الواقع, وتغيير حال الأمّةِ, والذي ما هو إلا نتيجة كسادٍ فكريٍّ قد غدا يُعرض في مزاداتٍ علنيَّة في إحدى متاجر دول الرأسماليَّة.
إنَّ للمفهوم الذاتي دورٌ كبيرٌ في تغيير معتقداتنا، والتي بدورها تُغيّرُ حياتنا، فهي كلمة تشمل إدراكنا لقيمنا وعاداتنا ومعنى الأشياء بالنسبة لنا، والتي بدورها تختلف من شخصٍ لآخر بصورةٍ نسبيَّة، لذلك إنَّ فكرتنا حول تغيير أفكارنا عن أنفسنا، لابد أنْ تكون على أساس مفهومنا لا على أساس مفهوم شخصٍ آخر، فالمفاهيمُ الذاتيَّة التي يكوّنها الإنسان عن نفسه، ما هي إلا حصيلةً محصّلةً لمجموعةٍ من الأفكار والمعتقدات التي آمن بها وسقى بها جذوره يومًا ما.
فالصورة الذاتيَّة هي أقوى محرّك للحركة الإنسانيَّة، والتي من خلالها لا يستطيع الإنسان أن يتحرك مقدار قدمٍ واحد، وهذا ما يبدو جليًّاً وواضحًا عند مقارنةِ الشخصيّات الناجحة بغيرها، فتراهم (الناجحون) يتحدثون عن أنفسهم فتبدو ملامح صورتهم الذاتيّة أكثر وضوحًا وأكثر تقديرًا وإنجازًا, فتراها تبعث في نفوسهم الثقة، والتي بدورها ترقيهم إلى كل ما يطمحون الوصول إليه، فإنْ احترمنا ذواتنا احترمتنا انجازاتُنا وإبداعاتنا والتي ما هي إلا نتيجةً للصورة الذاتيّة التي كنا نلقّن أنفسنا بها من خلال مجموعة من الأفكار الإبداعيَّة والإيجابيَّة والتي أخرجتنا من مرحلة الإرهاص الفكري إلى مرحلة إعادةِ إنتاج المُدخلات، وتقديمها على شكل صورٍ تساعدُ الأفراد على الارتقاء بذواتهم.
فالتقدير الذاتي هي الطريقة التي يرى بها الإنسان نفسه، والتي يكون الولوج لها عن طريق الصورة الذاتيَّة، مدخلان مهمان فما إن نسقّت صورتَك الذاتيةَ حتى يتجلّى لك التقدير الذاتيُّ، ويبدأ بإعطاء دفقات حركية وبهذا تتشارك مع الناجحين في صنع خيوط الإبداع وترتيبها.
نرى الكثير من الناس في لحظة التقدير الذاتي أو لحظة رسم الصورة الذاتية أنهم يدخلون مرحلة الأمان أو ما تُسمى بمرحلة الراحة، والتي أراها من وجهة نظري بأنها تسمى بمرحلة الخطورة، والتي يحاول الإنسان من خلالها أن يكون مستقراً في منطقته وأي حدث أو تغيير في حياته سيقاوَم بشدة، لأنها تكون مختلفة عن منطقة الراحة الموجودة في داخل الإنسان، وفي صدد ذلك نجد أن هناك الكثير من المعتقدات والأفكار والتي يحاول الإنسان أن يضعها في ثلاجته العقلية ظنّاً منه بأنها الأمثل في صنع الراحةِ، فإذا ما رأى بأنَّ الهواء بدأ بالدخول عليها أخذت زوبعته الفكرية تفقد توازنها، لأنه حينها يبدأ بالخروج من منطقة الراحة والأمان من وجهة نظره والتي هي في الحقيقة منطقة الخطر والكساد.
إنَّ للفلترة الفكريَّة دورٌ بارزٌ في تغيير سلوكياتنا ومعتقداتنا، فكما أشاد المفكر مالك بن نبي قائلاً: “إنَّ أساس كل سلوكٍ يبدأ بفكرة ومن ثم تتحول الفكرة إلى نيّة تحدوها الرّغبة، ومن ثم يتبعها السلوك والفعل”، فإذا ما أردنا تغيير سلوكياتنا فلنغير أفكارنا ومعتقداتنا حتى نستطيع تغيير ما نطمحُ في تغييره وإصلاحه. فالفلترة الفكريَّة ما هي إلاّ وسيلةٌ لتصفية النفوس والبنوك الفكرية من شوائب الأفكار والمعتقدات، والتي تأسر النفوس البشرية وتطمرها في ثرى العجز الفكري والكسل التغييريّ لها.
وفي صدد هذا الحديث نستطيع أن ننوّه إلى أن الاستعمار بكل أساليبه ووسائله، استطاع أن يضرب بقوسه على الوتر الفكريّ، وهذا ما تجلّى واضحًا من خلال الغزو الثقافي والفكري والذي حوّل ما في النفوس والعقول إلى رحىً غدت كغثاء السيل، فما إن حقق البلدُ المستعَمرُ الاستقلالَ حتى ترى صورته الذاتيَّة عن نفسه وعن شعبه مشوَّهة المعالم، وكأنَّ الاستعمار رغم زواله وانقشاعه على الأرض إلاّ أنّه مازال موجوداً في أنفسهم، وهذا ما حدا بالكثير من الدول المهزومة أن تتقلد زيّ الدول التي خضعت تحت أسرها، واشرأبّت من عكر فكرها فجعلت من مدارس ومصانع بلادهم معامل استعماريّة، يتم فيها إعادة إنتاج نفوسٍ مهزومةٍ ضعيفةٍ ترفع رايتها المنكوسة، بأنها لا تصلح للتغيير ولا تستطيع بنفسها أن تنهض.
إنّ الأمّة الإسلاميّة قبل أن تنتكس على أعقابها خاسئةً خاسرةً، كان جناحُها تامَّ البناء، وكانت صورة الأمة عن نفسها في أكمل وجوه الانتصار والإباء، حتى ألبسها الاستعمار ثوبَه فألبست نفسَها رقعةَ الانهزام النفسيِّ والذي تبعه انهزامٌ فكريٌّ معكوف الجناح.
إذن فلابد أن نغيّر معتقداتنا، حتى نغيّر حياتنا، ونغيّر أمةً بأفكارٍ ومعتقدات من صنع أيدينا، ومن تقديرنا لذواتنا وأنفسنا، فالإنسان المحترِمُ لذاته، المقدِّرُ لتصوراته ومعتقداته، هو ركيزةٌ أساسيةٌ لحضارةٍ بقوّةِ أفكارها تغدو بغدوِّ الإنسان قويّةً عاتية.