كما يقع بعض الشباب فريسة للكثير من أنواع الإدمان، كتناول المحظورات من كحوليات أو خمر أو مخدرات، نجده يسقط فريسة سهلة لأنواع أخرى من الإدمان، ظهرت مع دخول الألفية الجديدة، وباتت أمرًا ملحًا، ومثيرًا للبحث والدراسة، ومنها إدمان الإنترنت.
فإذا كانت شبكة الإنترنت أوجدت مفاهيم جديدة... وأسهمت في إعادة صياغة تصور الإنسان عن الزمن والمكان... بل كذلك عن الذات... فإنها أيضًا أحدثت أمراضًا جديدة... لعل أبرزها مرض "إدمان الإنترنت"... وعندما تصل الأمور إلى صحة الإنسان، فيجب عليه أن يعيد النظر؛ ليصل إلى سلوك متوازن.
هذا المرض يلقى الاهتمام مع القلق، لدى المختصين عامة، وعلماء النفس الأمريكيين خاصة؛ ما أدى بهم إلى فتح عيادات متخصصة لمدمني الإنترنت، لكن قد يبدو مثيرًا أن بعض تلك العيادات هي إنترنتية!، وتذكر بعض المصادر أن "ماريسا" أول من فتح عيادة لعلاج إدمان الإنترنت، في مستشفى ماكلين، التابع لجامعة هارفارد سنة 1996م.
مفهوم الإدمان للإنترنت
ثمة اختلاف حول تحديد مدلول "الإدمان" في حقل الإنترنت؛ فبعضهم يطلقها على مواد يتناولها الإنسان ثم لا يقدر على الاستغناء عنها، في حين يعترض آخرون على هذا المفهوم، ويرون أن الإدمان: عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، وشرطه: الحاجة إلى المزيد من هذا الشيء بشكل مستمر لإشباع الحاجة، ويسمي آخرون الاستخدام الزائد للإنترنت "الرغبات التي لا تقاوم" بحسب د. نادية العوضي.
وقد لاحظ د. جون جروهول (أستاذ علم النفس الأمريكي)، أن إدمان الإنترنت عملية مرحلية؛ حيث إن المستخدمين الجدد - عادة- هم الأكثر استخدامًا وإسرافًا في استخدام الإنترنت؛ بسبب انبهارهم بتلك الوسيلة، ثم بعد فترة يحدث للمستخدم خيبة أمل من الإنترنت، فيحد - إلى حد كبير- من استخدامه لها، ويلي ذلك عملية توازن الشخص لاستعماله الإنترنت.
فالإدمان – إذًا- هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، بغض النظر عن ماهية هذا الشيء.
ولا يخفى عليكم أحبتي بأننا أمة مسلمة تتميز بالوسطية؛
فقد قال الله (عز وجل): (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143)،
ورغم هذا فما زال هناك من الناس من يعيش بين الإفراط والتفريط، يقول الشاعر:
اعتدل في كل حال واجتنب همًّا وغمًّا
لا تكن حلوًا فتؤكل أو تكن مرًّا فترمى
أسباب الإدمان
وجد الباحثون عن أسباب إدمان الشباب للإنترنت أمورًا كثيرة، تدعو إلى وقوع الشباب في هذه المشكلة الخطيرة، لعل من أهمها:
1- سد الحاجات النفسية والعاطفية غير المحققة في الواقع، فنجد بعض الشباب يهرب إلى هذا العالم الافتراضي، ليجد بغيته؛ التي تحول معضلات الواقع الاقتصادية والمجتمعية دون تحقيقها.
2- حالات الاكتئاب، والشخصيات القلقة والخجولة؛ التي لا تجد لها صديقًا على أرض الواقع ممن حولها من الشباب، فتلجأ إلى الإنترنت، لعله يؤنس وحدتها، ويخفف آلامها.
3- الملل والرتابة في الحياة اليومية، ربما بسبب الروتين الوظيفي، وعدم التجديد في البرامج الحياتية، مما يدفع هؤلاء الشباب إلى البحث عن كل جديد، ومتابعة التحديثات.
أنواع الإدمان على الإنترنت
أظهرت الأبحاث أن الإدمان على الإنترنت قد يكون عامًا، غير أنه بشكل عام يتناول مكونات معينة:
1- الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية في الشبكة؛ التي يوجد عليها الآن مئات المواقع التي تبث هذه المواد، وتغري بها الشباب.
2- الإدمان على الألعاب والقمار في الشبكة – وهذا تعريف شامل يتضمن الألعاب، ألعاب القمار، المشتريات، الاتجار بالأسهم المالية، الكازينوهات وباقي الألعاب التي تسبب البيع، وخسارة الأموال الكثيرة في الإنترنت.
3- الإدمان على التعارف ضمن الشبكة، الدخول إلى المعايشة العاطفية العالية، في غرف التشات، مجموعات النقاش، مواقع التعارف أو برامج الرسائل الفورية، بناء علاقات افتراضية؛ حيث يقوم كل نادٍ أو مجموعة بتبني قضية معينة أو هواية معينة، ويتم عمل مقالات وحوارات بين المشتركين، حول تلك القضية أو الهواية.
4- الإدمان على المعلومات عبر الشبكة، أو التجميع الذي لا نهاية له للمعلومات، تخزينها وتحديثها، حتى مع عدم الاستفادة من هذا الكم الهائل، أو من أكثره.
أعراض الإدمان على الإنترنت:
ظهرت لهذا الإقبال من قبل الشباب على الشبكة العنكبوتية أعراض كثيرة، نفسية، اجتماعية وعصبية، وجسمية، تناولها الباحثون والمتخصصون، بالرصد والبيان والتحليل، كان من أهمها:
1: التحمل، أي الميل إلى زيادة ساعات استخدام الإنترنت؛ لإشباع الرغبة نفسها التي كانت تشبعها من قبل ساعات أقل.
2: الانسحاب: أي المعاناة من أعراض نفسية وجسمية عند انقطاع الاتصال بالشبكة، ومنها التوتر النفسي الحركي (حركات عصبية زائدة)، والقلق.
3: الشعور بالرغبة في الدخول إليها عند تركها.
4: إهمال المستخدم للحياة الاجتماعية، والالتزامات العائلية والوظيفية.
5: بعد التعب الشديد من استخدام الشبكة، يلجأ المستخدم إلى النوم العميق لفترة طويلة.
6: ظهور آثار اضطرابات نفسية، كالارتعاش، وتحريك الإصبع بصورة مستمرة.
7: القلق والتفكير المفرط في الشبكة، وما يحدث فيها، وشعور بالحزن والاكتئاب لعدم الاتصال بها.
كيفية حدوث الإدمان
وفيما يخص آلية حصول الإدمان، فإن الشخص المدمن لديه قابلية مسبقة للإدمان؛ لتحقيق احتياجاته النفسية، وممارسة الأنشطة التي لا يستطيع تحقيقها في الواقع الممارس، ومن ثم يلجأ إلى محاولة تحقيقها من خلال الإنترنت، في عملية مواءمة نفسية، وهروب من الواقع المعيش؛ لما توفره الإنترنت من إمكانات (كإخفاء كثير من الأسرار حتى الاسم)، تعزز سلوكه؛ ما يجعله يمضي شوطًا بعيدًا في التعامل مع الإنترنت، وتكوين صلات وعلاقات عاطفية أو جنـسية ونحوها، وهذا يشكل تجاوزًا للكبت الذي يعيشه في مجتمعه، ولكنه لا يلبث أن يصطدم بعد حين بالواقع، ويجد أن ما توهمه مَخْلَصًا لا يحل المشكلة.
مشاكل إدمان الإنترنت
لا شك، أن إدمان للإنترنت، أنتج للشباب المدمن عليه مشاكل عديدة، ظهرت وتفاقمت بسرعة، وأضحت تغطي جميع المجالات التي يتحرك في محيطها الشباب، ومنها:
1- مشاكل صحية.
2- مشاكل نفسية.
3- مشاكل اجتماعية.
4- مشاكل علمية وتعليمية
5- مشاكل عملية ووظيفية.
أولا: من المشاكل الصحية:
1- الأرق.
2- آلام الظهر والرقبة.
3- الإرهاق البصري، وقصر النظر، وجفاف بالعين.
فمن شأن "الإدمان" أن يُحدث آثارًا صحية سلبية متعددة؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى أن حالات الإجهاد البصري، تزيد بنسبة 55% لدى مستخدمي الكمبيوتر؛ الأمر الذي يتطلب أخذ فترات متقطعة للراحة، فضلا عن استخدام الشاشة الواقية، والنظارة الطبية العاكسة للأشعة المنبعثة من جهاز الكمبيوتر.
ومن الآثار السلبية أيضًا: أن الجلوس الطويل أمام الكمبيوتر يؤدي إلى عدم قدرة المستخدم على الحركة بشكل طبيعي، وعدم انتظام نسبة المعادن والماء في الجسم، ونقص الوزن ونسبة الكالسيوم في العظام، والمعاناة من آلام الرقبة، وفي أسفل الظهر، واختلال النسب الطبيعية للكولسترول والدهون بالدم.
ثانيًا: من المشاكل النفسية:
يشير بعض الأطباء إلى بعض المشكلات النفسية؛ التي اقترنت باستخدام الكمبيوتر، مثل "انطوائية الكمبيوتر"؛ التي تصيب المدمنين الذين يرغبون في الهروب من واقعهم، وكذلك الذين يتوحدون مع الجهاز، ويستعيضون به عن الأنشطة الاجتماعية الأخرى؛ ما يؤدي إلى انخفاض مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
ثالثًا: من المشاكل الاجتماعية:
1- اضطراب حياته الأسرية حيث يقضي المدمن أوقاتًا أقل مع أسرته.
2- كما يهمل المدمن واجباته الأسرية والمنزلية؛ مما يؤدي إلى إثارة أفراد الأسرة عليه.
3- فقدان الحس الاجتماعي، حيث نجد الشاب المدمن للإنترنت فرديًّا في جلساته وقراراته، انعزالًّا في هواياته وآماله وآلامه، لا يصادق الشباب، ولا يجتمع معهم، ولا يشاركهم اجتماعاتهم وآراءهم وقضاياهم.
4- لا يزور أقاربه، ولا يتعاطف مع جيرانه، ولا يتفاعل مع مشاكل مجتمعه، ولا يبحث عن حلول إيجابية لها.
رابعًا: من المشاكل التعليمية:
1- غيابهم عن حصصهم المقررة بالمدارس، أو محاضراتهم المهمة في الجامعات والمعاهد العلمية.
2- تدني المستوى التحصيلي، وانخفاض معدل الاستفادة من العملية التعليمية؛ نظرًا لانشغاله الدائم بالإنترنت، وعدم تركيزه في مواد الدراسة ومناهجها.
3- يؤدي إلى التوقف عن ممارسة الهوايات والأنشطة العلمية الأخرى، كالذهاب إلى المكتبات، والقراءة في الكتب والمراجع والمصادر العلمية.
4- ضعف طموحه العلمي والتعليمي، فنجده زاهدًا في إكمال مشوار الدراسات العليا، وليست لديه رغبة في الترقي العلمي والتعليمي، أو الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
خامسًا: من المشاكل العملية والوظيفية:
1- التأخر عن العمل الصباحي، وكثرة الاعتذار عن عدم القيام بالأعمال.
2- إهمال واجبات ومواعيد العمل، والتفريط في المسئوليات الوظيفية.
3- إهدار فرص الترقية، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، له ولأسرته.
الوقاية والعلاج
هناك عدة خطوات لعلاج إدمان الإنترنت، وهي:
1- أن يعي المصاب أنه يعاني من الإدمان، ليبدأ مرحلة العلاج.
2- أن تكون لدى المصاب الرغبة الأكيدة، والعزم الجازم في العلاج، والصبر على مرارة الدواء.
3- أن يعرض نفسه على شخص يثق في علمه وأمانته، ويقبل أن ينفذ ما يطلبه منه، ويستجيب لتعليماته في هذا الخصوص؛ التي قد يكون من بينها:
1- عمل العكس: فإذا اعتاد المريض استخدام الإنترنت طيلة أيام الأسبوع، نطلب منه الانتظار؛ حتى يستخدمه في يوم الإجازة الأسبوعية، وإذا كان يفتح البريد الإلكتروني أول شيء حين يستيقظ من النوم، نطلب منه أن ينتظر حتى يفطر، ويشاهد أخبار الصباح، وإذا كان المريض يستخدم الكمبيوتر في حجرة النوم، نطلب منه أن يضعه في حجرة المعيشة.. وهكذا.
2- إيجاد موانع خارجية: نطلب من المريض ضبط منبه، قبل بداية دخوله الإنترنت؛ بحيث ينوي الدخول على الإنترنت ساعة واحدة، قبل نزوله للعمل مثلا؛ حتى لا يندمج في الإنترنت، بحيث يتناسى موعد نزوله للعمل.
3- تحديد وقت الاستخدام: يطلب من المريض تقليل وتنظيم ساعات استخدامه، بحيث إذا كان – مثلا- يدخل على الإنترنت لمدة 40 ساعة أسبوعيًّا، نطلب منه التقليل إلى 20 ساعة أسبوعيًّا، وتنظيم تلك الساعات، بتوزيعها على أيام الأسبوع، في ساعات محددة من اليوم، بحيث لا يتعدى الجدول المحدد.
دور الدولة والمجتمع المدني
ويمكن للدولة ومؤسسات المجتمع المدني القيام ببعض الأنشطة للمساعدة في علاج الشباب من إدمان الإنترنت، وذلك بوسائل كثيرة، منها:
1: عمل ورشات عمل للشباب، تبيّن خطر الإنترنت، وتبحث في الأسباب التي تدفع الشباب المدمن إلى التوحد مع الكمبيوتر، والاستغراق فيه، ومحاولة معالجتها، وعدم الهروب منها.
2: توسيع أفق الشاب للاستفادة من الإنترنت، عن طرق تشجيعه على الدخول في منافسات علمية، أكاديمية وذهنية، مع شباب دول أخرى.
3: أن تكون هناك رقابة على المواقع الإلكترونية؛ للتأكد مما تعرضه.
4: إشغال وقت الشباب بشيء مفيد، مثل نوادٍ للرياضة أو الكتابة.