عندما يعانق كلٌّ شمسه

إليك ثلاثة أقطاب....عقلك وقلبك وروحك...ثلاثة أقطاب لنور واحد يخرج من أعماقك ....بعيد الصدى، كبير المدى، يخترق الحواجز، لا يقف في طريقه إلا أن يزيحه قدر الله عن الطريق الذي اختارته الحكمة الإنسانية الضئيلة الضيقة.
ودع عنك تعريف هذا النّور ...فالكلمات تسبقني شوقاً إلى بصيرتك..
تعال نعبر الذكريات في حجرتك الصغيرة القابعة في رأسك..
ثم تعال نرنوا إليها بتفكرّ..
ألا ترى أن نصفك على الأقل هو صورة صغيرة لأمك وأبيك..
كل ما فعلاه من أجلك، دماء أفئدتهم التي رووا بها زهرتك الصغيرة، انظر إلى ما كانا عليه ، تجد نفسك تحاكي ذلك، وتجد قلبك لا يعرف عمداً لك ولا أساساً إلا منه...
طبعك ، أخلاقك، تصرفاتك، ...وكل ما فيك.
وتذكر حينما بدأت تعصف الرياح بأوراقك الفتيّة تأخذها جيئةً وإياباً إلى بيتها الثاني، وتربتها الثانية، لتعرف إخوةً ، تركوا آثارهم العميقة على عجينتك الطرية، وأمهات وآباء عاشوا معك أنصاف أيامك ،يصفّون في عقلك الرضيع، سطوراً من علم وفكر، ويختمون على قلبك، بصمات لا تنمحي مهما دارت رحى الأيّام.
أعد إلى عيونك الداخلية، ما شاهدته على التلفاز، وإذ بأطياف تتقافز إلى خيالك...هذا وهذه وأولئك ...يشدون عينيك فإذ بها تمضي يمنةً ويسرةً، وبالكاد تستطيع أن تلملم لك الصورة كاملةً، ومن ثمَّ لا تدعي أن عقلك هذا ما زال على حاله، أو أن قلبك لم يعلوه من أثر، سواء كان ما انتقيت خيراً أم شراً.
ما تصادفه في طريقك، ما يلقي بظلاله على بصيرتك، ما تسمعه ، ما تشاهده،وكل ما تلتقط لك حواسك النشيطة،
كل ذلك هو من سوّى عجينتك إلى أن صارت كما هي عليه الآن..
والآن ضع المرآة ما بين السطور، ولنأخذ دور الأهل والمدرسة والإخوة والأصدقاء، والتلفاز والناس والشارع وكل ما يحيط بك..
أريد منك أن تطوي هذا المحيط بترتيب وتضعه في خزانة في أعماقك..
تخيّل ....كم لك من التّأثير؟؟؟
ولعلّه من العسير كسر القوالب بعد إذ تتصلب وتركيبها من جديد ولعل من الأيسر فعل شيء آخر..
عليك مسؤوليتان...عجينتك، وعجينة من بعدك ،
أن تحسن تكوين عجينتك،
ومن ثم تسعى لتكوين عجينة الجيل الذي يلحق بك، أياً كانت الشخصية التي انتقيتها في ذلك وإن كانت شخصاً سلم عليك في وسيلة مواصلات.....
إذ أنك عندما تصبح كبيراً وتتصلب عجينتك، تصبح قالباً لما بعدها، ينشؤون كما طبعهم القالب، ويسيرون على شبه به...
أنت......مركزٌ يشعّ منه نورٌ ........أو مصباح معطّل وجوده وعدمه سواء، بل إن وجوده يأخذ حيزاً من المكان ، وقد نكون بأمس الحاجة إلى هذا الحيّز.....فاختر من تشاء أن تكون...
الموضوع كلّه يبدأ من إصلاح نفسك...
بالله عليك! ....افهمني ولا تقل لي: " الكل يفعل كذا ...فماذا سيؤثر عملي؟"
مشاع الخطأ لا يصيّره صواباً
وقيام الكل بالفعل لا يلغي دور الفرد في إزالته..لأن الكل في النهاية فردٌ وفردٌ وفردٌ....
اعرف جيداً أنه ما إن تتغير حتى يتغير كل ما حولك، وأن ما من شيء سيتغير حتى تتغير أنت!
تخيّل لو أنّ مورّثةً من جسمك قررت أن تتقاعس عن عملها، فتصبح منغولياً أو مصاباً بخلل عقلي..اللهم أجرنا
تخيّل نفسك مسنناً في ساعة قديمة، وتخيّل أنك توقفت فستتوقف كل الساعة، أو كنت عقرب الثواني وتوقفت فكذلك ستتوقف كل الساعة.
إن كل ثانية إن لم تقم بدورها وتمضي فسيتوقف الزمن...
إن لم تقم كل ذرة بالتفاعل الواجب عليها....إن لم يدر الالكترون في مداره...والأمثلة لا تعد ولا تحصى...ولتطلق عنان خيالك لتخيل هول الكارثة..
وبنفس الوقت انظر لو أن الأرض أحجمت عن الدوران بحجة أنها تشعر بالدوار، أو الشمس توقفت عن إصدار النور والحرارة بحجة أنها أصيبت بالحر
فانظر!.....إن أهمية الوظيفة تنبع من أدائها كاملة وبمثابرة ، لا من حجمها أو بروزها إلى الجموع...
كل شيء في هذا الكون من الصغير إلى الكبير لا يتقاعس عن أداء دوره.....كلٌّ يؤدي دوره بإتقان.وإلا فانظر وتفكّر ماذا سيحصل..
أما عن وضعنا فانظر إليه، تراه غير الذي يرغبه طموح، وغير الذي يتمناه حالم، وغير الذي يرسمه طفل، وغير الذي يحب أن يضعه عجوز في دفتر ذكرياته...
إذاً هذا هو السبب....إن كلاً منا لم يدرك عظيم دوره وبالتالي لم يؤدّه كما يجب!
تذكّر لعبة "تلفون مقطوع" وتخيّل لو أننا خالفنا قواعد اللعبة..
لو أنّ كل واحد يلفظ الكلمة صحيحة واضحة لوصلت بالتأكيد صحيحة واضحة كما هي، ولو أنّ أحدهم أخطأ فتصل خطأً
وهكذا هي الحياة!
تذكّر الثانية من الدهر....والنحلة في الخلية....والالكترون في مداره...والذرة في مادتها...والخلية في جسمك....و..
أنت........في مجتمعك!
مالك لا تؤمن بمبدأ التراكم العجيب؟؟؟
ذرة وذرة وذرة.......مادة
ثانية وثانية وثانية....آلاف ملايين السنين التي مضت ومضى معها أناس ومجتمعات...
وكل هذا لا يتأتى إلا بالصبر...ولك أن تختبر مبدأ التراكم العجيب
في صبر أهلك حتى كبرت
في صبرك على السنين والكتب حتى تعلّمت كلّ ما تعلّمت
في ظفرك يا أخي!
عندما طال كل ثانية 1 نانومتر رأيته بعد يومين طويلاً ظاهراً
وختاماً سأسألك سؤالاً...
إذا كان لديك وعاء متسخ وأردت أن تطهو..
بأي الشيئين تبدأ...
غسله؟ أم الطهو به؟

شكرا يا جمان على هذا الموضوع الرائع
جعلك الله منارة للأمة الإسلامية

Admin عدد المساهمات : 1572 تاريخ التسجيل : 09/08/2009

خاطرة جميلة و طرح أجمل للفكرة مع سلاسة في الأسلوب وبساطة .. لتصل لجميع الأعمار ..

وفقك الله ورعاك ... وجعل في كلامك هداية العباد و منار الأجيال

» عندما.........................!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
» عندما تحن إلى نفسك
» ليس عندما ولد ولكن عبر حياته