امي الحبيبة....لك وردة القلب
لأول مرة اشعر ان افراغ عواطفي على الورق صعب علي.
كل الكلمات التي أعرفها و ادخرها تبدو لي أقل من ان ترقى للحديث عنك يا أمي الحبيبة. فما قيمة الحروف إذن؟
"عفواً أوغاريت. ما قصدت التقليل من أهميتك" .
ها قد مضت ساعة و انا احدق في غيمة البياض التي من المفترض ان تمطر كلماتٍ تقرأينها انت يا امي الاغلى
هاءنذا احدق في المعاني التي طالما كانت تجعل القلب يمتلئ نوراً ، احاول استدراجها كي تفصح عن ضوئها القديم الرائع خوفاً من ان أخيب أملك و انت من قلتي لي يوماً:"وضوح التعبير دليل على وضوح التفكير"
هاءنذا استعير الضوء من كلامك الجميل مندهشاً من مدى تأثيره علي، انحني لكل كلمة من كلماتك المدهشة و بينما انا افعل ارى غيمة البياض تنجلي عن قلبي ليظهر من خلالها وجهك الطيب.
امي الحبيبة: لقد عشنا معاً حياة جميلة حتى الآن رغم الغيوم السوداء التي كانت تحجب عنا نور الشمس احياناً .لقد مشينا لحظة بلحظة،عانقتني أشجارك في صحراء مصيري، اضاءت شمسك ظلام حياتي، غسل مطرك أحزاني و ادراني.
لقد علمني عطفك الفرح الحقيقي و الحزن الحقيقي ..و الرقة و الرجولة.
كنت حين استلقي فوق رؤياك أعد النجوم و الأقمار و الكواكب و الشهب حتى يخترق التعب جسمي فيسقط ادراكي في وهدة الاتساع الرحيبة و رويداً رويداً أدخل باب الحلم الأزرق مصطحباً ألوان الاماني ، اشكل لوحة العمر و الحياة و الخلود.
عندما استلقي في حضنك يا امي أصبح ملك الأحلام الضائعة .. املأ رئتي بالهواء ... شهيق يرد الروح ... زفير يطرد خوف الحياة القاسية ، و عندما انهض أنهض و كأنك ولدتني من جديد.
حضنك هو الوحيد الذي ينتشل احزاني كلما تراكمت ، يجعلني أرى حقائق العالم الكبرى و أدرك سر القوة الكامنة في حضنك . يقودني الى دخول بوابة الاحلام و استذكار طفولتي .
اجلس كل يوم الى طاولتي و فنجان قهوتي و همومي الكثيرة و احزاني الكثيرة و عزائي انك ستأتين بعد قليل لتؤدين صلاة العشاء في غرفتي ، ما اجملك يا امي و انت ترتدين ثياب الصلاة، انتظر فراغك من الصلاة لأرتمي كطفل في حضنك الدافئ طالباً دعاءك ، امي و هل لي سوى يديك ارجو بهما رحمة السماء؟
امي الحبيبة مع ان حقيبة يدي مملوءة بقصاصات الحزن الممتدة من العراق الى فلسطين الى اصدقاء و زملاء و اعزاء نفقدهم يوماً بعد يوم إلا انني احتفظ في روحي بزاوية لصوتك الصباحي يأتي كما الفجر من وراء الغيوم و القهر و المساءات المدججة بالاحزان ( صباح الخير .. كيفك اليوم؟)فأرد بشكل عفوي ( انا منيح) و لكن ما ان تغادري غرفتي حتى اعود الى الجواب الذي اطلقته في الهواء ( انا منيح) هل حقاً ما اقول؟! لأكتشف انني لست كذلك الا بتأثير سحرك يا امي فهذا السحر يجعلني ارى الحبق اخضر مع ان الصقيع قد رمده و ارى بوابة الحديد مفتوحة على الافق البعيد ، ممتدة الى جهات الشمس و الشروق و الروح و العالم الابدي مع ان البوابة مقفلة و المفاتيح في جيبي.
فأنا لولاك ما جددت ورود الباب.. وما جددت زراعة الياسمينة التي موتها البرد و لولا صوتك الصباحي لتمنيت الا استيقظ من نومي ابداً.
اعرف يا امي انك رسمتي لي و لأخوتي صور المستقبل في الحلم و في يقظة الحلم ايضاً، و كبرنا عاماً بعد عام و اهتزت الاحلام .
كنت كلما اهتزت الصورة تعيدين رسمها من جديد ووفقاً للمعطيات الجديدة، انا اسف يا امي ان كنت قد اتعبتك بإعادة رسم الصورة.
أمي الحبيبة يا معلمتي التي علمتني كيف احلم و احب و اغضب و اثور و كيف يتدفق دمي شلالاً من عطر و كيف تترقرق كلماتي جدولاً من فرح، و كيف اغرس في صدري زهر البيلسان و في دمي القرنفل و فوق قامتي الياسمين .
علمتني يا امي ان اكون نقياً نظيفاً خارج جلدي و داخل روحي.
لقد علمتني ان الاغصان الاكثر جمالاً هي المثقلة بالثمار.
علمتني الا اركع ان خذلني الواقع و جردتني مرارته من ابتسامتي.
علمتني ان اكون حراً حتى حين يدمي القيد معصمي .
علمتني ان اقرأ كتاب الحب و صفحات الوجوه التي تعلمني شجاعة الاقتحام و قوة الصمود و أن احفظ اسمي جيداً و ان احطم كل جمود يحيط بالقلب.
علمتني ان اكون الخطوة الاولى نحو الحياة و ان اسير قدماً دون انتظار دوري و اوامر غيري.
لقد علمتني اسرار الجمال و سحر الكلام ...و جلال طريقة التأمل و تجليات طاقة الانسان.. و جريان العاطفة الهادرة كالسيل و قدسية الوهج الاكبر من كل السنة النار... و انطلاق خيال اسرع من الضوء.. و شموخ حب اقوى من هرقل و شمشون الجبار.
علمتني سر توجيه الاسئلة و فصاحة الخطاب الذي يجب ان يقال دون خوف . لقد فارقني الهلع نحو الوجود لأنك زودتني بحكمتك فشكراً لك يا معلمتي الحبيبة.
ورثت عنك يا أمي تسعين بالمئة من أخلاقي وميولي ( لا أقصد بذلك أنني أماثلك من حيث الحلاوة والوداعة وكبر القلب ) فهذه صفات لا تليق الا بك
عندما كنت جنيناً في بطنك اتعرفين بماذا كنت افكر في شهري التاسع؟!
كانت فكرة النهاية و هيمنة الوداع لا تغادر تفكيري .كنت لا اريد الخروج ، لا اريد للعمر الجميل الذي امضيته في الامان و الغبطة ان ينتهي، لا اريد لمتعة الحياة في بحر الحنان و النمو ان تنتهي.رفضت الخروج بكل قوتي لذلك كانت الولادة عسيرة
انا اسف يا امي على ذلك الالم الذي تسببت انا فيه.
كان صوتك مؤنسي الدائم ، لم اكن قد رأيت وجهك بعد. و لم اكن اعرف ما ينتظرني خارج هذه الحياة التي تلقيت فيها كل معنى ثم انقت مخلفة وراءها بحراً من المعاني.
عندما ولدت رأيت امامي وجهاً مدورا كالقمر ، شفافاً كالزجاج يخترقه ضوء المصابيح ، رسمت ظلاله ملامح الوجوه المألوفة لدي ، بغضبه عرفت غضبي و بقلقه ادركت قلقي و بحبه عشت حبي، لقد كان وجهك الطيب يا امي.
ستبقين يا امي في دمي و اعصابي و قلبي و كل خلية من خلايا جسمي لأنك سبب التحام ذراتي الانسانية و مولد فجر طاقاتي.
تسكنين تضاريس وجهي في كل حالاتي ، ان سافرت او عدت ،في كل الفصول ، ان غادرت الى كل النجوم و الفجاج.
انت معراجي و ظلي ورئتي التي اعيش بها.
وردة القلب لك ايتها الذاهبة الى منابت الولادة و منابع الاقحوان..ايتها القرنفلة المتوجة ملكة الزهر على عرش القلب.
امي فكرت بما يمكن ان اقدمه لك في عيدك وطال تفكيري فقررت ان اهديك بطاقة من بطاقات قلبي و روحي راجياً من المولى عز وجل ان يحفظك لي و يبعد عنك كل مكروه و ان يجعلني قادراً على ان ارد و لو جزءاً قليلاً من افضالك الكثيرة كل عام و انت بأف خير..
___________
أنا مازلت ياأمي صغيرك..
طفلك الباكي..
أنا الطفل الذي يهفو لفرحة عيد لقياك..
فقصي لي حكاياك..
حكاياك التي مازلت كالأطفال أرويها
وأغرق في معانيها
وأنسى عندك الدنيا
ومافيها
ومن فيها..
للأمانة فهذه المقلة نقلاً عن موقع حكيم..