ما هو العقل

عدد المساهمات : 445 تاريخ التسجيل : 22/02/2010

" ما هو العقل ؟ "

عند تحديد مفهوم كلمة العقل لابد من إرجاع الكلمة إلى حروفها الأصلية ( ع . ق . ل ) , العقل : هو مصدر ( عقل ) يعقل عقلا ً فهو معقول وعاقل , وأصل معنى العقل المنع يقال : عقل الدواء بطنه , أي : أمسكه .

يقول الفيروز آبادي :" العقل هو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ".

وقال الجرجاني : " هو ما يعقل به حقائق الأشياء وهو مأخوذ من عقال البعير ، يمنع ذوي العقول من العدول عن سواء السبيل ".

ويقول أحد الباحثين :" نستطيع أن نخرج من المفهوم أو المعنى اللغوي لكلمة ( العقل ) بملاحظات ونتائج أهمها ما يلي :

1 ـ أنه ملكة معنوية وليست شيئا ً حسيا ً ، وبه يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات .

2 ـ أنه يمنع صاحبه عما لا يليق ويزجره .

3 ـ أنه يكشف لصاحبه عما ينبغي أن يفعله وعندئذ كأنه يتحصن به .

4 ـ أن العقول متفاوتة بحسب فطرة الله التي فطر الناس عليها باتفاق العقلاء , بل قد يحصل التفاوت في الشخص الواحد كما قال ابن تيمية : " كان الصواب عند جماهير أهل السنة أن العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان " .

أما في الاصطلاح فالعقل يقع بالاستعمال على أربعة معان :

الأول : الغريزة المُدْركة التي في الإنسان ، فبها يعلم ويعقل وهي كقوة البصر في العين والذوق في اللسان ، فهي شرط في المعقولات والمعلومات وهي مناط التكليف ، ويها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان ، وقد جعل المحاسبي هذا المعنى هو المعنى الحقيقي للعقل وإنما يطلق العقل على غيره من المعاني مجازا ً .

الثاني : العلوم الضرورية ، وهي التي تشمل جميع العقلاء ، كالعلم بالممكنات والواجبات والممتنعات ، والفلاسفة والمتكلمون عرَّفوا العقل بها ومنهم من قسمها إلى قسمين : قسم يقع في الناس ابتداء ، والآخر يحصل بالاكتساب , وخصوا العقل بالقسم الأول .

أما الدكتور عبدالكريم بكار فيقول : " من المعروف أن أهل العلم يقسمون العقل إلى عقلين : عقل أول وعقل ثان ، والعقل الثاني هو في الحقيقة المعرفة والخبرة المكتسبة .

العقل الأول : فهو : مجموعة من الإمكانات والاستعدادات والمبادئ الأولية التي وهبها الخالق ـ سبحانه ـ لبني البشر ، إذ كل واحد منا مزود بالقدرة على التذكر والتخيل والربط بين ألأشياء والقدرة على التحليل والتركيب , كما أن كل واحد يملك مبادئ أولية تشكل ركائز أساسية لبنيته الفكرية ، وهذه المبادئ عالمية لا تختلف باختلاف الأعراق والأجناس واللغات والأديان كما لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ".

إن عقولنا عبارة عن مفاهيم وأفكار وملاحظات وآراء ومشاعر تتشكل على نحو عام من ورادات الحواس : السمع والبصر والشم والذوق واللمس ، تلك الواردات يأتي معظمها مترابطا ً ، وذلك من خلال التزامن والحدث المتزامن , فتتشكل بنيات فكرية أولية وأساسية بناء عليها وانطلاقا ً منها .

فالطفل الصغير يتعرف على الماء في وقت مبكر وهو يبحث عنه ، ويطلبه عند الشعور بالظمأ ، ويظن الطفل أن كل السوائل التي لها لون الماء يمكن أن تشرب ويكون لها نفس الطعن ، ويكتشف مع الأيام أن الأمر ليس كذلك ، بل يكتشف بعد مدة أن من الماء ما هو عذب ومنه ما هو ملح لا يصلح للشرب ، وهكذا يتكون عقل الإنسان من خلال بناء المزيد من البني الفكرية .

ومع كل بنية فكرية وتصنيف جديد للأشياء يحدث نمو لمشابك ومحاور عصبية داخل الدماغ ، وبذلك ينمو الدماغ مع نمو الفكر ، وتتحول البنيات الفكرية التي تم ترسيخها إلى أدوات نستخدمها خلال فهمنا للوجود وحكمنا على الأشياء ، ولا شك أن تلك البنيات لا تكون دائما ً صحيحة ، وما فيها من صحة وصواب وحداثة يختلف من شخص إلى آخر ، ومن هنا تنشأ لدينا عقليات مختلفة ، وبسبب اختلاف تلك العقليات تختلف نظرتنا للأشياء وتختلف الأحكام التي تصدرها عليها .

وإن علماءنا القدامى نظروا إلى العقل على أنه أداة لإرشاد صاحبه إلى الطريق القويم ، كما أنه أداة للانضباط الذاتي ولجم الأهواء والبعد عن طريق الرذيلة وكل ما يخل بالمروءة .

وحين نقرأ ما قالوه في هذا الشأن يخيل إلينا أنهم جعلوا مفهوم ( العقل * شيئا ً أشبه بالمرادف لمفهوم ( الحكمة )

وفي هذا يقول سفيان الثوري : " ليس العاقل هو الذي يعرف الخير من الشر ، ولكن العاقل هو الذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر ، فيجتنبه "

ويقول محمد بن ورد بن نصرويه : " العقل أن يغلب حلمك جهلك وهواك ".

وعن سفيان بن عيينه أنه قال :" لا تنظروا إلى عقل الرجل في كلامه ، ولكن انظروا إلى حقله في مخارج أموره " . أي في حسن تدبيره لشؤونه .

هذا المنحى الأخلاقي السلوكي في توضيح معنى العقل يشكل نوعا ً من الارتباط بين ثمرات استعمال العقل وبين المنهج الرباني والآداب الشرعية التي يؤمن بها المسلم ، ولا شك في أن أعظم وظيفة للعقل أن يساعد صاحبه على العيش وفق مرادات الله ـ تعالى ـ وأن يساعده على النجاة من عذابه ، وحين نغض الطرف عن هذا المعنى ، فقد يصبح لدينا في الأمة الكثير من الأذكياء والمبدعين والمخترعين والقليل من الحكماء أرباب البصيرة والعقول النيرة ، وهذا لا يكون أبدا ً أمارة على الرشاد والفلاح .

يمكن نلخص هذا الجزء فنقول : " إنّ لـلعقل شكلاً ومضموناً,فشكله تلك القدرات والإمكانات التي زوَّد الله-تعالى-بها دماغنا,مثل قدرته على خزن المعلومات واسترجاعها,ومثل قدرته على التخيل والتحليل والتركيب .

ومضمونه فمنه ما يعود إلى مجموعة المبادئ الفطرية العالمية التي تستخدم في التفكير و استيعاب الأشياء وإدراك العلاقات وتقييم الأمور .

» ضجيج في العقل.....
» أسرار العقل
» لعبة تساعد على تشغيل العقل