حدد هدفك

قول المتنبي :
عـلى قدر أهل العزم تأتي العزائـم و تأتي على قدر الكرام المكارمُ
و تعظُم في عين الصغير صِغارهــا و تصغُر في عين العظيم العظائمُ

سئل أحد أكبر أصحاب شركات النفط، الملياردير "بانكر هانث" أن يلخص في جملة واحدة رمز النجاح في الحياة، فقال: " إنه أمر بسيط . يجب أن تقرر أولاً ماذا تريد ؟ و ما هو هدفك ؟ ثم تحدد الثمن الذي لابد من دفعه لبلوغ هذا الهدف ، ثم تقوم بدفع الثمن فعلاً. هذا هو كل شيء ".
فالناس يرغبون في كل الأشياء .. غير أن رغباتهم تبقى في حدود الرغبة، و لا تتجاوز إلى حد تعيين أهدافهم في الحياة، أما الناجحون فهم وحدهم الذين يجعلون ما يرغبون فيه هدفاً حقيقياً لهم.
فإرادة الناجحين إرادة محددة، و ليست ضبابية ، أما إرادة الفاشلين فهي مثل بوصلة معطوبة تتجه نحو كل الاتجاهات ، فلا يمكنها أن تحقق شيئاً.
و قد قيل أن الفرق بين العباقرة و غيرهم من الناس العاديين هو الموضوعات و الغايات التي يوجهون إليها همهم، و إلى درجة التركيز التي يسعهم أن يبلغوها.
إن رؤية الهدف و تتبعه أينما ذهب و حيثما حلّ و في أي وقت يجعل الهدف حقيقةً، و الغاية بمتناول اليد. و قد عُرّفت الحكمة بأنها الوصول للأهداف أو الوصول إلى الهدف بأقصر السبل.
و قد قيل إن الصاروخ الذي يمتلئ بالوقود من دون أن يكون له جهاز توجيه يصبح هداماً و خطيراً، كذلك الإنسان الذي لم يحدد أهدافه في الحياة، سوف تؤدي طاقاته إلى أن يكون هدفاً يحطم نفسه بنفسه.
و قيل أيضاً: أنت مع تحديد أهدافك على خطر إن لم تستطع تحقيقها، فكيف بك إن لم تحددها ؟ .
و قيل: بين السبق و التأخر تذكر الهدف. .
و يقول " ميشيل دي مونتين " : الإنجاز العظيم و المجيد للإنسان هو أن يعرف كيف يعيش من أجل هدف .
و قيل : هدف في الحياة هو الثروة الوحيدة التي تستحق البحث عنها .
و يقول د. هانز سيل : الشيء الأكثر أهمية هو أن يكون لديك دستور للحياة ، أن تعرف كيف تعيش . اعثر لنفسك على ميناء تتوجه إليه .
و يقول" بنيامين مايز " : " مأساة الحياة لا تكمن في عدم وصولك إلى الهدف ، و لكنها تكمن في ألا يكون لك هدف تحاول الوصول إليه " ..
و يقول إدجار إف روبرتس : " كل عقل بشري هو قوة عظيمة ساكنة حتى يتم إيقاظها عن طريق رغبة مشتعلة و قرار محدد و تصميم أكيد على تنفيذه .
و يقول " بنيامين ديزرائيلي " : " لا شيء يستطيع مقاومة الإرادة البشرية التي تخاطر بوجودها نفسه في سبيل هدفها المحدد " .و يلخص " سي اتش . باركورست " أهمية الهدف فيقول : " الهدف هو ما يعطي الحياة معنى ".

و هناك الكثير الكثير من المقولات التي تجعل الأهداف أهم ما في الحياة و سر النجاح . و إن القارئ لهذه المقولات يلحظ أنها تدور في الأفلاك التالية :
أولهما : لا حياة و لا نجاح بدون هدف واضح يسعى إليه الإنسان.
ثانيهما : على قدر الهدف تكون عظمة صاحبه .
ثالثهما : تحديد الهدف و الحماس و السعي لتحقيقه ، قوة عظيمة موصلة لإنجاز هذا الهدف.

و إن أهم سمة من سمات القائد أنه يمتلك الرؤية ( الهدف) التي يحمل أتباعه للوصول إليها.
و عند تدبر قول الله عز وجل :  إني جاعل في الأرض خليفة  ، و قوله تعالى :  و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون  ، نجد رحمة الله عز و علا بعباده في أن جعل لهم هدفاً واضحاً يسعون جميعاً من أجله و يتكاتفون في سبيل تحقيقه ، فوفّر على الإنسان فترة الضياع في البحث عن هدف راقٍ يستحق من أجله الحياة .. و هذا هو منتهى رحمة الله لعباده و كمال لطفه و حبه لخلقه .

إلا أنّ علينا أن نميّز في الأهداف المعاني التالية : .. الهدف العام أو قد يطلق عليه " الرؤية " أو " الغاية " و كل هذه المصطلحات تحمل المعنى نفسه ، و المقصود منها هدف عام كبير يستغرق عمر الإنسان في السعي لتحقيقه .. أما الأهداف المرحلية فهي الأهداف الجزئية التي بمجموعها تحقق الهدف العام . و هناك الإجراءات و الخطوات لكل هدف مرحلي و التي لابد أن تتبع للوصول إلى تحقيق الهدف المرحلي.

و قد عبّر الإسلام عن الهدف العام بالهمّ الذي يشغل الإنسان طيلة الليل و النهار مسخراً طاقاته و قدراته من أجل تحقيقه. و في الحديث الشريف : " من جعل الهموم هماً واحداً ، هم آخرته، كفاه اللَّه هم دنياه. ومن تشعبت بِهِ الهموم فِيْ أحوال الدنيا، لم يبال اللَّه فِيْ أَي أوديتها هلك." .

أي أن معونة الله معه تحيط به و ترعاه، تشد من أزره ، تعينه على تحقيق مبتغاه، و تكفيه المشاغل الأخرى التي قد تبطئ مسيره نحو هدفه ، مادام قد جعل جميع أهدافه تصب في هدفٍ واحدٍ ( همّ آخرته ) ، و همّ الآخرة يعني أن يختار من الأعمال و الأهداف ما يرضي الله و يزيد من حسناته و يبتعد عن السيئات .

هذا الحديث الشريف يرسم لنا حياةً متكاملة ، فهو يرسم صورة إنسان مخلصٍ في عمله لأنه يعلم أن الله يراه و سيحاسبه في اليوم الآخر ، نافعٍ لأمته لأن ذلك يزيد من حسناته و يقربه من ربه جل جلاله : (و في الحديث الشريف : " الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله " )، غير جشع و لا جبار ، عادل في معاملته ، أمين في تجارته ، لأنه يدرك أن الآخرة خيرٌ و أبقى و أنه سبحانه و تعالى عالم السر و أخفى ، عليم بذات الصدور ، يحاسب و يجزي على النوايا و ما تكنه الصدور .

و هكذا نرى عظمة الكنـز الذي نملكه .. إن القرآن و السنة الشريفة تصوغ إنساناً متكامل الجوانب ، و تقرر في جمل قصيرة ما تشمله مجلدات و كتب .. إنه الإعجاز الرباني ، هدية الخالق لخلقه ... لو تمسكوا به لسعدوا و أسعدوا ، و نجحوا و أعطوا ، و هدوا و أهدوا ، و لقامت حضارة سلام ، تنشر الأمن و السعادة لكل الناس ، و تقيم دنيا سعيدة من أجل آخرة هنية .