كيف أشعر بالاطمئنان في هذه الحياة؟وماهي قوانينها كي أفهمها!
قوانين القرآن الكريم في النفس والحياة
د.راتب النابلسي
---------------------------------------------
هناك قوانين، وعلاقة ثابتة بين شيئين، فإن كان في القرآن قوانين ثابتة فالتعامل معها سهل جداً، الآن الحضارة البشرية كلها قائمة على قوانين، علاقات ثابتة، مطردة وشاملة.
في سلسلة هذه الدروس سوف ـ بفضل الله عز وجل وبتوفيقه ـ نتناول هذه القوانين في القرآن الكريم، التعامل مع القرآن بقوانينه شيء مريح جداً، لكن المسلمين اليوم لا يتعاملون مع القرآن كقوانين، يتعاملون معه ككتاب مقدس، فيتمنّون، وليس التعامل مع القرآن بأماني الإنسان، بل بتطبيقه للقوانين.
أيها الإخوة، الأمر يحتاج إلى أمثلة: لو أن التعامل مع القرآن تعامل غير تعامل علمي فالمشكلة كبيرة جداً.
للتوضيح: أحياناً تكون موظفًا بمؤسسة، وفيها نظام دقيق، ووسائل للترقية، ووسائل زيادة الراتب، وعقوبات، ولكل إنسان صفحة، فالتعامل العلمي مع مدير المؤسسة، أو مع أنظمة المؤسسة مريح جداً، أما إذا كان التعامل مزاجيًا فذلك شيء متعب جداً.
أنا أطمئنكم أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
في القرآن قوانين ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تجمد، ولا تعطل، ولا تعدل ولا يضاف عليها، ولا يحذف منها.
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به
المسلمون في أيام تخلفهم لم يتعاملوا مع هذه القوانين، تعاملوا مع القرآن ككتاب مقدس، وتمنوا على الله الأماني، وقد قال الله عز وجل:
﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ ـ دقق ـ ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به ﴾
( سورة النساء الآية: 123 )
نحن في اللغة عندنا ترتيب شرطي، فعلان مع أداة شرط، كقولك: من يجتهد ينجح، فمن: اسم شرط جازم، له فعل شرط، وله جواب شرط، وجواب الشرط لا يقع إلا إذا وقع الشرط، هذا قانون.
فأحياناً تأخذ القوانين عبارة شرطية، ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ـ دقق ـ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به ﴾
هذا قانون، فالذي يتوهم أنه يمكن أن يعمل سوءاً من دون أن يجزى به فهو واهم، وهو جاهل، وقد تعامل مع القرآن تعاملا ضبابيا، تعاملاً غير علمي.
فالمسلمون ما لم يعرفوا هذه القوانين، وما لم يقدموا المقدمات، حتى يأخذوا النتائج، أما بلا مقدمات فلن يأخذوا النتائج.
من قوانين القرآن المطّردة:1 – إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْمثلاً: أحد هذه القوانين:
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
( سورة الرعد الآية: 11 )
مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يخرج المسلمون من محنتهم، ومن تكالب الأمم عليهم، ومن قهرهم، ومن إفقارهم، ومن إضلالهم، ومن إفسادهم، إلا إذا غيروا ، فإن لم يغيروا فإن الله لا يغير ما بهم، وأي شيء يفعلونه من أجل أن ينتظروا تغييراً، أو معجزة، أو نصراً بلا ثمن فهم واهمون، وغافلون.
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
أنا أتمنى عليكم أن تتبعوا هذه القوانين، نحن اخترنا لكم في هذا الشهر ثلاثين قانونًا من قوانين القرآن الكريم، تماماً كقوانين الفيزياء، المعادن تتمدد بالحرارة، فإن لم تدع فاصل تمدد بناء سوف يتصدع.
فهذا القانون ثابت، لا يتغير، لا يعطل، لا يبدل، لا يعدل، لا يضاف عليه، لا يحذف منه، لا يجمد، فإن لم تعبأ به، وإن لم تهتم به واقع بك لا محال.
عندنا في الفيزياء قانون السقوط، إذا ألقى الإنسان بنفسه من الطائرة فهو كتلة، هذه الكتلة في سقوطها لها قانون، فيها تسارع بدافع الثقل، وبدافع الجاذبية، فإذا ألقى الإنسان بنفسه من الطائرة من دون مظلة فبحسب قانون السقوط هناك تسارع شديد يجعله إذا وصل إلى الأرض يفارق الحياة، وإذا صدّق هذا الإنسان هذه القانون أو لم يصدّقه فالقانون واقع به، وإذا عبأ به أم لم يعبأ به فهو نافذ فيه.
لذلك التعامل مع كتاب الله تعاملا علميا مريح جداً، هذا قانون:
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
2 – وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
( سورة الطلاق )
في أي زمان، في أي مكان، في أي عصر، في أي مصر، في أي ظرف صعب، في دول فقيرة أو غنية، في دول ذات ثروات طائلة أو بلا ثروات، في وضع صعب أو وضع سهل، ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ هذا قانون، وأي واحد منكم، وأنا معكم، فمَن اتقى الله في أي مجال رأى الفرج رأى اليسر، ورأى التوفيق، ورأى النصر، ورأى التأييد.
البطولة أن تكتشف قوانين هذا الكتاب، والبطولة أن تأخذها كما تأخذ قوانين الفيزياء، هناك مقدمة.
هناك نتيجة، هناك فعل شرط، هناك جواب شرط، لا يأتي جواب الشرط إلا إذا وقع فعل الشرط.
3 – قانون العداوة والبغضاء:أيها الإخوة، مثلاً: قانون العداوة والبغضاء:
﴿ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة المائدة الآية: 13 )
أيّ مشكلة، أيّ عداوة، أيّ بغضاء، أيّ خلاف، أيّ حقد، أيّ شرخ بين إنسانين، بين أسرتين، تفسير هذا الشرخ، وهذه العداوة أنهما أو بعضهما تفلتا من منهج الله.
﴿ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
4 – قانون الحياة الطيبة: مثلاً: الحياة الطيبة حياة الأمن، حياة الراحة، حياة السكينة، حياة الاستقرار، حياة التفاؤل، حياة السعادة، حياة السلامة، هذه حياة طيبة، الكلمة الطيبة تجمع كل هذه الصفات، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
( سورة النحل الآية: 97 )
والله أيها الإخوة، لزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فتعاملْ مع كتاب الله على أنه قوانين، وإذا قرأت كتاب الله حاول أن تكتشف هذه القوانين، هي قوانين كثيرة جداً، اخترت لكم بفضل الله وتوفيقه ثلاثين قانوناً، في كل درس نأخذ قانونا أو أكثر، أشرح لكم هذه القوانين بتوفيق الله إن شاء الله.
5– قانون الحياة الضنك:
مثلاً: الحياة الصعبة، الضيق، الألم ن الإحباط، اليأس، التشاؤم، الضجر، هذا قد يوصل للانتحار.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
( سورة طه )
أعطيكم نماذج من هذه القوانين، ومستحيل وألف ألفِ ألف مستحيل أن يكون الإنسان معرضا عن الله عز وجل ويحيى حياة طيبة، هذا قانون، فأنت اقرأ القرآن، الله عز وجل أرادنا أن نتعامل مع كتابه تعاملاً علمياً، قال لك: ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا
﴾ ﴿ وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾
، فحينما نقرأ هذه الآيات، واستخرجناها وكتبناها على دفتر، وتلوناها كثيراً، وتعاملنا معها كقوانين نفلح.
في أيّ بلد، وأي عصر، وأي مصر، بأي سن، بأي وضع، في مدينة، في قرية، أنت ابن إنسان غني، ابن إنسان فقير فالأمر سواء.
من لوازم القوانين القرآنية الإيمانُ بأن الأمر بيد الله: الأمر بيد الله ، و من لوازم هذه القوانين أن تؤمن أن الأمر بيد الله.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
( سورة الكهف )
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
( سورة الزخرف الآية:84 )
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
( سورة فاطر الآية: 2 )
أيها الإخوة، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك.
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ﴾
( سورة الأنفال الآية: 17 )
حينما ترى أن يد الله تعمل وحدها، وأن الأمر كل بيد الله، وأنه لا معطى إلا الله ، ولا مانع إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا خافض إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله تتجه إليه وحده،
وحينما تؤمن أنه مستحيل وألف ألفِ ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، وأنه مستحيل وألف ألفِ ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، وأنه:
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ))
( أخرجه ابن ماجة عن الترمذي ]
حينما تقرأ هذا الأثر القدسي.
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات بين يديه ))
[ رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
اقرأ هذه القوانين إنْ في كتاب الله، وإنْ في سنة رسول الله، وتعامل معها، لكن ما الذي يحصل ؟
من لوازم القوانين القرآنية الإيمانُ بأن الأمر بيد الله:
إن الإنسان الذي لا يقرأ هذه القوانين، ولا يعبأ بها، ويقول: يا رب عليك بهم، فإنهم لا يعجزونك، يا رب دمرهم، يا رب اجهل تدميرهم في تدبيرهم، يا رب اجعل الدائرة تدور عليهم، وهم يزدادون قوة، قد تقول أحيانا: الله عز وجل لا يستجيب لهذا الإنسان.
مثلاً: وضعت الدولة كلية الطب لتخريج الطلاب أطباء، كلية الطب تحتاج إلى علامات معينة، مثلاً 235، في سبع سنوات سنة تُدّرَّس علوم عامة، سنة تشريح وصفي، سنة فيزيولوجيا وظائف الأعضاء، سنة علم الأمراض، سنة علم الأدوية، وسنة تطبيقية، هذا الطريق الوحيد كي تكون طبيبا، لكن أحدهم جاء وما أعجبه هذا الترتيب، لا معه شهادة ثانوية، ولا علامات، ولا معه كفاءة، لكن له رغبة أن يقرأ بعض المجلات الطبية ويقول: يا رب اجعلني طبيبا، مهما دعوت فلن يسمح لك أن تكون طبيبا، لأن هناك طريقا إن لم تسلكه فلن تنال الذي تريده.
من لوازم القوانين القرآنية الطاعة وعدم المعصية: تعامل مع الله بهذه الطريقة، المسلمون يقيمون على معاصيهم، وتقصيرهم، يأكلون المال الحرام، يكذبون، يغشون، يفعلون كل الموبقات، فإذا جاؤوا إلى المسجد قالوا: يا رب انصرنا على أعدائنا، يا رب أنت الناصر، الدعاء يحتاج إلى مقدمات، لئلا نقع في الإحباط، لئلا نتوهم أن الله تخلى عنا، لئلا نتوهم أن الله لا يستجيب لها، لا بد من أن نأخذ بهذه القوانين، لا بد من أن نهتم بها، لا بد من أن نتأدب معها، حتى نقطف ثمارها، هذا كلام دقيق، وأسأل الله جل جلاله أن يلهمنا الصواب، وأن نقرأ كتاب الله بهذه الطريقة.
خاتمة:
رجل من علماء المسلمين التقى بأحد خلفاء بني أمية، قال له: ادعُ لي، صدقوا أنه ما ألتقي بإنسان إلا ويقول لي: ادعُ لي، أنا والله أدعو له، وأتأدب معه، لكن في أعماق أعماق نفسي أقول: لو أنه استقام على أمر الله لا يحتاج إلى دعائي، فهذا الخليفة قال لهذا العالم: ادعُ لي، فقال له: " لا تظلم، وأنت لست محتاجاً إلى دعائي ".
أقول لكم كلاما دقيقا: المسلمون الآن يرغبون بعلاقات غير صحيحة، كأن يقول لك أحدهم: ادع لي بأن تتزوج ابنتي، ابنتك سافرة، ادع ليصلي، وهو ما نشأ على الصلاة، وما علمته الصلاة، وما اعتنيت به.
هناك قوانين، نريد كلمة تقولها، أو دعاء تقوله تحل كل مشاكلك، هذا فهم أسطوري للدين، هذه أساطير، الدين علم، فما لم تقدم المقدمات فلن تقطف النتائج.