كسرته الظلمة فأضاء العالم

المصباح الكهربائي هو فرد أساسي لا غنى عنه في أي منزل أو منشاة في جميع أنحاء العالم ، نستخدمه بشكل يومي ، ولكن لا نشعر بأهمية وجوده في حياتنا ، على الرغم من أن غيابه سيتسبب في مأساة ضارية.

قديما ، قبل اختراع المصباح الكهربائي ، كانت مهمة الإضاءة في المساء شاقة وفوضوية ، تتطلب استخدام حفنة من الشموع حتى تضاء الغرفة إضاءة مقبولة وهو أمر خطير جدا قد يتسبب في حريق واسع المدى .

ثم ظهرت المصابيح الزيتية التي كانت أفضل كثيرا من الشموع إلا أنها كانت تترك أثارا سوداء من السخام ( أسود الكربون ) على أي شيء في محيط إضاءتها ، وعندما غزا علم الكهرباء العالم ، أصيب العلماء بشراهة نحو تطوير تطبيقها و اقتنص الكثيرين منهم أماكن رفيعة في القطار الماضي نحو اختراع المصباح الكهربائي ، ليظهر بشكل مقبول و بتكلفة مناسبة و آلية عملية يمكن أن تجعل منه وسيلة للإضاءة المنزلية.

قبل أن نسرد قصة اختراعنا وننطلق في رحلتنا عبر الأزمان ،لابد أن نتعرف على صديقنا العزيز ؛ المصباح الكهربائي والذي يعد وسيلة لإنتاج الضوء من خلال تسخين سلك خيطي من عنصر معين (غالبا التنجستن ) إلى درجة الحرارة التي تتسبب في وميضه و إضاءة المصباح ، هذا السلك مغلف بغطاء زجاجي رقيق مملوء بالغازات الخاملة حتى يظل السلك في أمان من الأكسجين و تفاعلات الأكسدة والتبخر.

وفي العصر الحديث ، واجه العلماء عدة صعوبات في مشوار اختراع المصباح الكهربائي أهمها الحصول على غلاف زجاجي مفرغ تماما من الهواء وهو الأمر الذي تسبب في فشل عدة محاولات مبكرة بسبب عدم توفر الوسيلة المناسبة لتفريغ الهواء في ذلك الوقت ، كما مثل اختيار المادة المضيئة داخل المصباح مشكلة أخرى ،بالإضافة إلى صعوبة تطوير نموذج يستمر في الإضاءة فترة طويلة ، لذا دعونا نستعرض أهم المحطات لهذا الاختراع الحيوي :

• أول ضوء كهربائي :

العالم الانجليزي "همفري ديفي" ( Humphry Davy ) كان له السبق في اختراع أول ضوء كهربائي ، كان المصباح بسيط ،على شكل قوس ومصنوع من الكربون ، حيث أوصل نهايتي سلكيين بقطبي بطارية ووضع شريط من الفحم بين نهايتي السلك من الطرف الأخر، وتوهج الكربون على الفور.

• مصباح ولكن...

وفى عام 1820 جاء العالم " وارن دي لارو" (Warren De la Rue) بأنبوب مضيء بسلك البلاتين ، حيث قام بإفراغ تلك الأنبوبة من الهواء و تمرير التيار الكهربائي بها ، نعم الفكرة قريبة جدا من المصباح الحالي ولكنها مرتفعة التكلفة نتيجة لندرة عنصر البلاتين مما جعله وسيلة غير رائجة تسويقيا .

• النموذج الأول

كانت الحرائق شديدة العنف دافعا قويا للعالم "جيمس بومان ليندسي "( James Bowman Lindsay ) لتكثيف مجهوده من أجل تطوير وسيلة آمنة للإضاءة بعد تضرر وإصابة عدد كبير من عمال المصانع بإصابات بالغة الخطورة نتيجة تلك الحرائق الناتجة عن استخدام المشاعل النارية في الإضاءة ، ونجح بالفعل في عرض نموذج أولى prototype للمصباح الكهربائي عام 1835.

Bold text• مصباح القوس المتوهج:

في عام 1850 تمكن العالم "إدوارد شيبارد"( Edward Shepard ) من اختراع مصباح القوس المتوهج، الذي يعمل بالكهرباء باستخدام خيوط الفحم.

• أول مصباح حقيقي:

في عام 1854 ظهرت أول لمبة أو مصباح حقيقي إلى العالم على يد صانع الساعات الألماني "هنريج جلوبيل" ( Henricg Globel) باستخدام شعيرات من الخيزران المتفحم داخل غلاف زجاجي كاللمبة الزجاجية الحالية.

• مضخة تفريغ الهواء:

وفى عام 1875 اخترع العالم "هيرمان سبرينجال" (Herman Sprengel) مضخة من الزئبق تفرغ الهواء بآلية أكثر كفاءة وهو الأمر الذي أنضج الثمرة جيدا على شجرة الاختراعات و سنح الوقت لقطفها ، فهذه الخطوة كانت سببا في تطوير فكرة المصباح الكهربائي و توليد محيط مفرغ من الهواء بصورة جيدة داخل الغلاف الزجاجي.



• عام 1878.. مصباح كهربائي يدوم و يدوم:

يعود الفضل إلى السير "جوزيف ويلسون سوان" ( Sir Joseph Wilson Swan ) ،عالم الفيزياء البريطاني أول من اخترع مصباح عملي و يدوم لمدة ثلاثة عشر و نصف ساعة والذي كان يعد سبقا في هذا الوقت، واستخدم في ذلك ألياف من الكربون المتأين مستخلصة من القطن . والجدير بالذكر أن أولى محاولات "سوان" كانت باستخدام أوراق الفحم في عام 1850

• "توماس إديسون" كسرته الظلمة فأضاء العالم وصنع المستقبل:

كان حزن الأمريكي "إديسون" على والدته و انفطار قلبه سببا دفعه للغوص في أبحاثه لكي يضيء ظلمة الليل بضوء ساطع ، حيث مرضت والدته التي أحبها كثيرا مرضا شديدا واستلزم إجراء عملية جراحية على الفور ولكن الطبيب المعالج لم يتمكن من إجراء العملية بسبب عدم توفر الضوء الكافي!

ومن هنا تغير المشهد تماما ، فأنكب "إديسون" على تجاربه من أجل هدف واحد إنارة الظلمات و عدم خذل أمه التي طالما شجعته قبل وفاتها و ووثقت فيه وفى قدراته ، و خاض "إديسون" أكثر من 99 تجربة سعيا لنجاح اختراعه ، وعلى الرغم من تكرار الفشل للتجارب إلا أنه لم ييأس بل ضاعف جهده وعمله إلى أن كلل تعبه بالنجاح ، وقدم للعالم الهدية الأغلى وهي اختراع المصباح الكهربائي في عام 1879م

و ما زال هذا الاختراع ينسب لاسم "إديسون" ويطلق عليه البعض [ الرجل الذي صنع المستقبل ] ، وكان إديسون دوما ينسب نجاحه إلى أمه حيث يقول " أن أمي هي التي علمتني، لأنها كانت تحترمني وتثق في، وأشعرتني أنى أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها وعاهدت نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط."

ولم يتوقف "إديسون" عند هذه النقطة فنجح عام 1880 في جعل اختراعه يدوم لأكثر من 1200 ساعة واستخدم في مصباحه المضيء بالكهرباء خيوط مشتقة من الخيزران.

• تحسينات:

عام 1903 "ويليس ويتنيو" ( Willis Whitnew) قدم فكرة جديدة وهى تغليف خيوط الكربون بطبقة معدنية حتى يمكن التغلب على مشكلة تكون الطبقة السوداء داخل الغلاف الزجاجي مع مرور الوقت و كانت هذه الفكرة بذرة لاستخدام خيوط من مادة "التنجستن" tungsten الحالية فيما بعد.

وفى عام 1906 حصلت شركة "جنرال إلكتريك" (The General Electric Company) على براءة اختراع لاستخدام خيوط التنجستن في المصباح الكهربائي و لكن الطريقة التي كانت متبعة وقتها كانت عالية التكلفة المادية ، وهذا ما دفع العالم "ويليام ديفيد كوليدج"(William David Coolidge) عام 1910 للقيام بعدة تحسينات جعلت من هذه العملية (تطبيق استخدام التنجستن في المصباح الكهربائي) أقل تكلفة.

وقام "فيليبس" عام 1991 باختراع مصباحا كهربائي قادر على العمل طيلة 60 ألف ساعة ، باستخدام "الحث المغناطيسي".

وهكذا انتهت رحلتنا ولكن لم تتوقف رحلة العلم و اكتشافاته
الفترة الزمنية :

منذ عام 1809 إلى 1991