بسم الله الرحمن الرحيم
وهذه المرحلة توضحها الآية الكريمة:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[ سورة الأنعام: الآية 44 ]
د. راتب النابلسي
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أيها الإخوة الأحباب، للموضوع طرف آخر، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة الأعراف: الآية 96 ]
فذلك هو الطرف الآخر لسُنَّة الله الجارية في خلقه، فلو أن أهل القرى آمنوا بدل التكذيب، واتقوا بدل العصيان ؛ لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض.. هكذا..
﴿ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
مفتوحة بلا حساب، تأتيهم هذه البركات من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، والتعبير القرآني بعمومه وشموله يلقي فيضاً من العطاء الغامر، الذي لا يعهده البشر من الأرزاق والأقوات..
إن العقيدة الإيمانية في الله، وطاعته، ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة، وعن تاريخ الإنسان. إن الإيمان بالله، وطاعته، ليؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض. وعدا من الله. ومن أوفى بعهده من الله ؟
ونحن – المؤمنين بالله – نتلقى هذا الوعد بقلب مؤمن، فنصدقه ابتداء، لا نسأل عن علله وأسبابه ؛ ولا نتردد لحظة في توقع مدلوله.. نحن نؤمن بالله ـ بالغيب ـ ونصدق بوعده بمقتضى هذا الإيمان.. لكن المذاهب الوضعية تغفل عنه بل وتغفله كل الإغفال. بل وتنكره أشد الإنكار !
إن الإيمان بالله دليل على سلامة في الفطرة ؛ وسلامة في أجهزة الاستقبال ؛ وصواب في الإدراك الإنساني .. وهذه كلها من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
وإنَّ الإيمان بالله قوة دافعة دافقة، تجمع جوانب الكيان البشري كلها، وتتجه بها إلى وجهة واحدة، لتحقيق مشيئته الله للإنسان في خلافة الأرض وإعمارها، وفي دفع الفساد والفتنة عنها، وفي ترقية الحياة ونمائها.. وهذه كذلك من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
والإيمان بالله تحرُّرٌ من العبودية للهوى، ومن العبودية للعبيد. وما من شك أن الإنسان المتحرر بالعبودية لله، أقدر على الخلافة في الأرض خلافة راشدة صاعدة. من عبيد للهوى وعبيد الأشخاص !.
وتقوى الله، يقظة واعية تصون من الاندفاع والتهور والشطط والغرور، وتوجه الجهد البشري في حذر وتحرج، فلا يعتدي، ولا يتهور، ولا يتجاوز حدود النشاط الصالح.
وحين تسير الحياة متناسقةً بين الدوافع والكوابح، عاملة في الأرض، متطلعة إلى السماء، متحررة من سلطان الهوى وهيمنة الأقوياء، عابدة خاشعة لله.. تسير سيرة صالحة منتجة. فلا جرم أنه تحفها البركة، ويعمها الخير، ويظلها الفلاح..
والبركات التي يعد الله بها الذين يؤمنون ويتقون، في توكيد ويقين، ألوان شتى لا يفصلها النص القرآني ولا يحددها. وأما إيحاء النص القرآني يصور الفيض الهابط من كل مكان، النابع من كل مكان، بلا تحديد ولا تفصيل ولا بيان، فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما يتخيلونه، وما لم يتهيأ لهم في واقع ولا خيال !
فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ))
[ رواه ابن ماجه وأحمد والدارمي]
والذين يتصورون الإيمان بالله وتقواه مسألة تعبدية بحتة، لا صلة لها بواقع الناس في الأرض، لا يعرفون الإيمان ولا يعرفون الحياة ! وما أجدرهم أن ينظروا نظرة أعمق، وأن يستنبطوا من كلام الله استنباطاً أليق.
أيها المسلمون في كل مكان، لابد ونحن في صدد هذا الموضوع من الموازنة بين بركات من السماء والأرض في قوله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
[ سورة الأعراف: الآية 96]
وأبواب كل شيء في قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[ سورة الأنعام: الآية 44 ]
والحمد لله رب العالمين