رحلة إلى القمة
أنماط التفكير
--------------------------------------
قرر الأصدقاء خوض رحلة تسلق الجبل، تقدمت مجموعة من المغامرين الذين يعشقون تلك الرياضة، أخذوا موقعهم في الصفوف الأمامية، بدا الجميع سعيداً بخوض تجربة تسلق الجبل.. لكن السعادة لم تستمر كثيراً.. فقد اتضح أن هناك من يخافون السحاب!!
كانت المجموعة المغامرة تحن إلى القمة، بينما من خلفهم كانوا يهابونها، يودون لو انتهت الرحلة سريعاً.. كان أصحاب الصفوف الأمامية كلما نظروا إلى أسفل سعدوا بالمسافة التي قطعوها، بينما الآخرون كلما ابتعدوا عن الأرض هالهم المنظر.
وبعد مرور نصف ساعة تحولت رحلتهم إلى كابوس. حتى كادوا يلعنون اليوم الذي قرروا فيه مغادرة الأرض. ثم بدأوا يلعنون المغامرين أصحاب الفكرة، الذين يعاندون الجبال، ويودون اقتحام عرش السحاب.
وبينما الصفوف الأمامية تتسلق إذا بأحد المترددين يدخل في حالة هيستيرية من البكاء، يريد العودة، كانت رغبة استقراره في سفح الجبل أقوى من ميله إلى نظرة من فوق القمة.
بدأ هذا الشخص يثير الذعر فيمن حوله، يردد عبارات من قبيل، ما لنا وقمة الجبل، هؤلاء المجانين يقودونكم إلى التهلكة، كفى ما وصلنا إليه.. هيا نعود!! أخذت أصوات أخرى تتعالى مؤيدة فكرة الرجوع.. هيا نعود.. يكفي هذا.. لقد قطعنا مسافة لم نكن نحلم بها..
حاول متصدرو الصفوف الأمامية إقناع البقية بروعة الرحلة، وأن نظرة من فوق الجبل يهون في سبيلها هذا الجهد، كما وعدوهم بجولة عبر مروحية ستأتي تقلهم من قمة الجبل ليسبحوا بين السحاب. نصحوهم ألا ينظروا أسفل منهم، أن يعلقوا بصرهم بالهدف. أن يتحلوا بال...
وفجأة سُمع صوت صيحة عميقة ترددت أصداؤها في كل مكان، فقد سقط الشخص المتذمر ولقي حتفه...
جفت الحلوق.. لقد كان خوف الرجل في محله.. تلك المجموعة المغامرة في المقدمة ستقودهم إلى بطن الأرض، رغم أن اتجاه الصعود يبدو متجهاً لقمة السماء. أخذ أغلب المشاركين قرار العودة مهما كانت النتيجة، في حين كان متقدمو الصفوف يقنعونهم بالصعود مهما كانت النتيجة، فالمخاطرة متحققة في الحالتين.. لكن الخوف غلب التطلع للمستقبل، والحنين إلى الأرض غلب عشق السماء. حاول المغامرون إقناعهم أن هذا الرجل قتله خوفه ليس إلا، الجبل لا يميت أحداً، والجسد لا يخذل صاحبه إن ركز في الصعود، الخوف هو القاتل الحقيقي. لم يزدهم هذا الكلام إلا صدوداً، وحسم الخائفون أمرهم بالعودة.
وبينما هم يستعدون للنزول؛ إذا بهم يسمعون ضحكات من فوق قمة الجبل، وصوت متفائل يناديهم "هيا تعالوا.. نحن في انتظاركم"، نظروا إلى أعلى الجبل حيث الصوت، فإذا بالعشرات يقفون على قمة الجبل، شباب وفتيات وسيدات ورجال وأطفال، كانت تبدو عليهم علامات البهجة والفرح يحتسون بعض المشاريب. واضح أنهم سبقوهم إلى القمة منذ فترة. بدأ المترددون يغيرون رأيهم، فالآن تغير المشهد. أصبح النظر إلى الأرض يذكرهم بصاحبهم الذي قضى نحبه، والنظر إلى القمة يدعو للبهجة، في الأسفل طريق الموت، وفي القمة طريق الفرحة، هل يخاطرون بالعودة في طريق الموت؟! فالنزول ليس سهلاً على كل حال، أم يخاطرون في طريق السعادة؟! لم تعد القمة هي سبيل المجهول، بل أصبحت هي عين اليقين..
بدأ من في القمة يشجعونهم.. "هيا.. استمتعوا بالصعود".. "الأمر يستحق".. وتوالت الشعارات المحفزة، التي تنطلق من روح واثقة متفائلة. مما دفع الكثيرين للعودة إلى استكمال المسار. والتحلي بروح المتسلقين المغامرين.
فهناك فرق بين متسلق الجبال المتمرس وبين الجديد، فالأول كلما نظر إلى أسفل يسعد بالمسافة التي قطعها، بينما الثاني يزداد خوفه. الأول كلما غادر واقعه شعر بالمتعة، بينما الثاني يخشى من ضياع الاستقرار في قاع الجبل. متسلق الجبال يعلم أنه مقبل على رحلة تحد، فلا يصرخ أمام العقبات التي تواجهه، ولكن يستمتع بالرحلة. بينما الثاني مع كل عقبة يصرخ ويندب حظه ويتمنى لو عاد إلى الأرض.
لكن المغامرون وحدهم لم يكونوا ليقنعوا من معهم وهم بالكاد يتقدمون عليهم بأمتار قليلة، الدور الكبير الذي أعطى للصعود قيمة هم أولئك الذين يزينون قمة الجبل، من تفوقوا على جراحاتهم. لم يحدثوا الصاعدين عن العقبات والتحديات التي واجهتهم، أو الضحايا الذين قضوا معهم في الرحلة، كتموا كل ذلك، ودفنوا آلامهم في بطن الجبل، كانت فرحة الصعود كبيرة، فكان دورهم تجسيد الأمل وإقناع الناس بحلم الصعود.
نجحت الرحلة وصعد الجميع، كان لقاءاً حاراً فوق الجبل، احتضن الأبطال بعضهم بعضاً والدموع تذرف، وبعد أن هدأت حرارة اللقاء، سأل الوافدون من سبقوهم إلى قمة الجبل، كيف صبرتم على البقاء هنا في شدة البرد، علمنا أنكم هنا منذ يومين".. فردوا بحماس مشيرين إلى قمة جبل أخرى أعلى: "أترون تلك القمة؟! دققوا النظر ستجدون عليها أناساً.. إنهم يلوحون لنا كي نأت إليهم.. ويرفعون لوحات مكتوب عليها "استمتعوا بالتحدي".. "المشهد من هنا أروع نكاد نصافح القمر ليلاً."" حينها هلل المغامرون، وصاحوا : "سنأتي معكم".. وأسقط في يد أصدقائهم المترددين.. قال المترددون: لا... لن نذهب معكم سنبقى هنا في القمة.. اذهبوا أنتم.
لم يحزن ذلك المغامرون، حسبهم أن نقلوا أصدقاءهم من سفح الجبل إلى منتصفه إلى قمته... يوماً ما سيمكن إقناعهم باستكمال الصعود، لقد تغيرت شروط التفاوض، وأصبحت النقاش حول
أي القمم نختار.
---- أتمنى أن نأخذ العبرة و ننظر حيث الأفق و المستقبل و نرسمه قبل أن يُرسم لنا من قبل أعداء الأمة .... اللهم أحيي هممنا نحو قمة ترضى بها علينا و تنصرنا نصراً مبيناً ----
---منقول -----