ما الذي يميّز كلّ فرق العمل القوية؟
خمس خصائص.. علامة الفريق الممتاز
(مقتبسة من كتاب Strengths Based Leadership )
للباحثين والمؤلّفين في مؤسسة غالوب Gallup:
توم راث وباري كونشي
----------------------------------------------------------------
على مدى أربعة عقود كانت مؤسسة غالوب تدرس فرق القيادة، ولو أردنا أن نستخلص من ذلك مجموعةً من السمات الجوهرية التي يشير توفرها إلى فريق عالي الأداء لذكرنا السمات التالية:
1- النزاع داخل الفرق القوية لا يؤذيها لأنّها متمحورةٌ على النتائجخلافاً للاعتقاد السائد، فإن الفرق الأكثر نجاحاً ليست بالتي يتفق أعضاؤها على الدوام، بل هي تتميّز باختلاف وتبادل آراء صحيّ وفي كثير من الأحيان بنقاشاتٍ حامية. ما يميز الفرق القوية عن الفرق العاجزة أن الاختلاف والنقاش لا يؤدّي إلى تصدّعها. وفي أوقات الشدّة بدلاً من التقوقع والانعزال فإنّ هذه الفرق تكتسب مزيداً من القوة والتماسك.
من الأسباب التي تمكّن الفرق الصحيحة من النمو والاستفادة من الاختلاف والنزاع أنّ فيها تركيزاً جامعاً نحو النتائج، كما تتوحّد وتتركّز أشعة الضوء في شعاع الليزر.
تسعى الفرق المتميزة إلى البراهين الملموسة والمعطيات وتحاول الالتزام بالموضوعية حيثما استطاعت، ونتيجةً لذلك فإنّ الناس مع تبنّيهم وجهات نظر مختلفة يبقون متحدين في طلب الحقيقة. يتجادل أعضاء الفريق ويختلفون، ولكنّهم يقفون في جانبٍ واحد. وعلى النقيض من هذا نجد في الفرق العاجزة أنّ الخلافات تجري مجرىً شخصياً، وتنشأ فيها إقطاعات فرديّة متضاربة وحواجز تتفاقم باستمرار.
2- الفرق القوية لديها ترتيب للأولويات وتطبيق القرار المتخذ هو مسؤولية الجميع حتّى المعارضين
مع وجود التنافس على الموارد وعلى إثبات وتنفيذ وجهات النظر المختلفة فإنّ الفرق القوية تبقى واضحة الرؤية ولا يغيب عن بصرها الهدف التنظيميّ الأكبر والأولى. في هذه الفرق نرى الأعضاء قادرين على الدوام على وضع الأفضل للمنظمة كلّها قبل ما يصلح لأنفسهم ولكبريائهم. وحالما يتخذ قرارٌ فإنّ هذه الفرق تتميز بالمسارعة الحقيقية في الالتفاف حوله وتنفيذه.
في فريقٍ اشتغلنا معه كان هناك جدالٌ طويل حول الاستثمار في فكرة جديدة كبرى. بعد أشهرٍ حامية من الأخذ والرد كان المتوقّع من جون الذي خسر المناقشة كما يبدو تقنياً أن يجلس متجهماً وينصت مضطراً إلى القرار النهائي المخالف لرأيه. لكن، وكما في كل الفرق القوية التي درسنا، رأينا جون يتجاوز حالة الجدال بسرعة وينطلق إلى السؤال: ما الموارد التي تحتاجونها منّي حتّى يطبّق هذا القرار بنجاح؟
عندما يتخذ قرار فإن أعضاء الفريق الناجح ينطلقون إلى مساندة بعضهم بعضاً في تحقيق النجاح لكلّ منهم وللمنظمة. لا يقبل من أحد موقف التفرّج على الآخرين أو المسايرة الشكلية –ودع عنك الإعاقة- بحجّة أنّ ما يمضون فيه لا يرضيه.
3- أعضاء الفرق القوية ملتزمون بجودة حياتهم الشخصية مثل التزامهم بجودة أعمالهميعمل أعضاء الفرق المنتجة عملاً مجهداً بطول ساعاته وصرامة مواعيده وثقل مسؤولياته. قد يعملون أحياناً ستين ساعةً في الأسبوع ويكثرون السفر، ولكنّهم مع هذا كلّه يحافظون على حياةٍ طبيعية متوازنة. لديهم الوقت ليقوموا مع عائلاتهم بما ينبغي القيام به. ومثل الاجتهاد الذي يبذلون في شركاتهم تجد لديهم اجتهاداً وحيويةً وتنظيماً في الأنشطة الأسرية والاجتماعية المختلفة.
عندما قابلنا مارفن ديفيز مدير البنك الناجح قال لنا إنّه يشعر بالفخر عندما يمضي وقتاً مع زوجته وولديه كالفخر الذي يشعر به عندما يرى الأداء المتفوّق لبنكه. وقد يستغرب الملاحظ الخارجيّ عندما يسمع ديفيز وهو يتحدّث عن سعيه الدؤوب لتخصيص اهتمامه كلّه 100% لأسرته عندما يكون معها في أيام العطل. ولا يكتفي ديفيز بنفسه بل هو يوصّل هذا المبدأ لكل موظفيه ويحثّهم على وضع الأسرة أوّلاً.
تشير أبحاثنا إلى أنّ الفرق الناجحة تتكوّن من أعضاء يجتمع لديهم اعتناقٌ واندماجٌ بالعمل ورضا كبير في حياتهم الشخصية. بالتمسك بهذا المعيار –الذي يبدو مستحيلاً لدى الآخرين- فإنّ هذه الفرق تجتذب من يريدون القيام بالشيء نفسه، ويصبح الفريق وأعضاؤه قدوةً مثلى للمنظمة كلّها.
4- أعضاء الفرق القوية يعتنقون التنوّع ويزدهرون فيهكشف عملنا مع فرق قيادية في شركاتٍ مبدعة ناجحة من كل أنحاء العالم عن حقيقة بسيطة: إنّ تكوين فريق من أفراد ينظرون إلى الأمور بطرق متشابهة وينشؤون في خلفيات ثقافية وتربوية متقاربة ويكوّنون خبراتهم العملية في مسارات متماثلة، ليس بالأساس السليم للنجاح.
بيّن بحثنا أن فرق القيادة تحتاج تنوعاً من القوى. ومثالياً، هي تحتاج أفراداً يحملون مزيجاً متوازناً من نواحي القوة وأبعاد القيادة. والتنوّع لا يقتصر على نقاط القوة المتوازنة بل رأينا في بحثنا أن الفرق الأكثر تلاحميةً بين أعضائها وبين الشركة (Engaged) ترحّب بالتنوّع في العمر والجنس والعرق، بينما تميل الفرق التقوقعية (Disengaged) إلى عكس ذلك.
مثلاً: بيّن بحث غالوب أنّ العضو في الفريق التقوقعيّ لديه احتمال للتفكير الجاد والتخطيط لترك الوظيفة سيزيد بـ 33% إن كان لديه مدير من عرق مختلف (لدى مقارنة حاله عندما يكون المدير من العرق ذاته) لكن عندما نظرنا في الفرق التلاحمية وجدنا أنّ الناس يزيدُ تمسكّهم بالبقاء مع الشركة –ولو زيادة طفيفة- إن كان المدير من عرق مختلف. أي إنّ ما يدفع العضو المتقوقع للرحيل يدفع العضو المتلاحم للبقاء.
تنظر الفرق الأكثر تلاحميةً إلى الأفراد من منظور قواهم الكامنة فيهم وليس خصائصهم الجسميّة الظاهرة. يبقي هذا المبدأ الفريق مركّزاً على إمكانات الإنسان ويقلّص إلى أدنى حدٍ ممكن تأثير الحواجز الشكلية المصطنعة.
5- الفرق القوية مغناطيسات للمواهبابحث عن فريق يهفو كل من يعرفه إلى الدخول فيه وغالباً ما ستجد نفسك أمام فريق قويّ. قد يصعب لدى بعض الناس تفهّم لماذا يرغب أي أحد في الانضمام لفريق يتطلّب عملاً أكثر وأصعب ولا ينتظر من أعضائه فور انضمامهم إلاّ أرقى المعايير في كل شيء. ويشتدّ الاستغراب أكثر عندما ننظر في فريق ناجحٍ في بيئةٍ شديدة التنافسية وفي حالةٍ من المساءلة الصارمة على النتائج.
بالرغم من كل هذه الأعباء والضغوط فإنّ أفضل أصحاب الإمكانات هم الأكثر رغبةً في الانضمام لهذه الفرق المتفوّقة. إنّهم يرونها المكان الأكثر تحريكاً وصقلاً وتثميراً لقدراتهم، والموضع الأنسب لتجسيد قدراتهم القيادية وتلمّس أثر وقيمة ما يصنعون. وهكذا لا تخيفهم التحديات والمسؤوليات فيهربون، بل يسعون سعياً للانضمام إلى تلك الفرق.
وعلى حدّ قول الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان (في مقابلة قيادية مع غالوب) إن بناء فريق قوي ضمن المنظمة يتطلّب المكوّنات ذاتها التي يحتاجها بناء فريق كرة قدم قويّ. يشجّع عنان الفرق على اللعب لعباً جماعياً منسّقاً ولكنّه يسارع أيضاً إلى التذكير بأهمية "اللمحات والتألّقات الفرديّة"، ويبيّن عنان: طالما كان المتألّقون فردياً يدفعون نحو الهدف ذاته فإنّ هذه المواهب الفردية تقوّي الفريق كلّه. ونتيجة لذلك، فإنّ للفرق الناجحة تأثيراً يعمّ المنظمة كلّها.
يتطلّب بناء الفريق القوي قدراً كبيراً من الوقت والجهد. إن تجميع نوعيات القوى الملائمة نقطة انطلاق جيدة ولكنها غير كافية. حتّى يمكن للفريق توليد نموّ مستدام يجب على القائد مواصلة الاستثمار في نقاط قوة كل عضو وفي بناء علاقاتٍ أفضل بين أعضاء المجموعة. عندما يتمكن القائد من هذا فإنّه يتيح لأفراد الفريق كلّه مزيداً من الوقت الثمين كي ينفقوه في التفكير تفكيراً مثمراً في استكشاف وتلبية احتياجات الناس الذين يتولّون خدمتهم.