” الكساد ” بأبسط معانيه هو تدهور الحالة المادية للشركة أو الاقتصاد مع انخفاض المستوى الانتاجي لحد يصعب التحكم به.
وبتأمل بسيط نجد أن ” الكساد ” حالة مخيفة نمر نحن بها من حين لآخر، حيث تمر بنا بعض الأيام التي نشعر فيها بأننا بتنا عاجزين عن الوقوف بسبب الضغوط المحيطة بنا، فنجد أنفسنا تحت قوة ضغط رهيبة تدفع بنا إلى أوضاع لا نرضاها سواءً على الصعيد الشخصي أو الأسري أو الدراسي أو الوظيفي.. والمؤلم هو أنه مع كل يوم يمر، يزداد عجزنا، ويتزايد تفلت زمام الأمور من بين أيدينا! فنغدو كأننا أشخاص مختلفين عما كنا عليه بالأمس ! فمنا من يرضى ويقنع بالأحوال المتردية ويسمح للتيار بأن يجرفه، ومنا من يقف بقوة باذلاً قصارى جهده ليغير مجرى التيار، أو على الأقل ليستطلع الأوضاع من حوله ويحدد خطة النجاة إلى بر الأمان!
والسؤال هو؟ كيف نصل لبر الأمان!
وكيف عسانا أن نفكر أو نركز في تلك الأيام العصيبة والتي تبهت فيها ألوان الحياة بفعل العجز والحزن ؟
.
لا تجزع!
هذه هي أول خطوة للتعامل مع الوضع الجديد المحبط، خذ الأمر بهدوء ولا تجزع، تذكر أن هذه هي طبيعة الحياة، يوم لك تشعر فيه بأنك أسعد من على الأرض، ويوم عليك يُخال لك فيه أنك أتعس من طلعت عليه الشمس!
وقد أخبرنا الله تعالى فقال: [ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ] أي حالاً بعد حال، ومن الخطأ أن نتوقع أن الحياة ستكون وردية على الدوام!
ومن الخطأ أيضاً أن نعيش في كآبة لعلمنا بأن الأوقات السعيدة ستنتهي في وقت ما!
لذا لنعش كل لحظة في حياتنا بحلوها ومرها، فنستمتع بكل لحظة حلوة، ونتعامل مع كل لحظة حزن أو ضعف بحكمة وروية وبدون مبالغات مأساوية!
نعم نحن لسنا بآلات يكفيها بعض الصيانة لتعود للعمل!
لكننا بشر نحزن ونتألم ونتوقف ، وكل هذا لا عيب فيه ولا نقص مالم يستغرق فترة أكبر مما يستحق الأمر..
انظر من أكثر من زاوية
لا تكتفي بالزاوية التي تبدو فيها ضحية للغير أو الظروف، فإطالة الجلوس في هذه الزاوية له آثار مدمرة على نفسيتك وشخصيتك، هي زاوية مهمة لكنها ليست المشهد الكامل الكافي لترى الموضوع من كل جوانبه، والخروج منها سيجعلك ترى الطريق الذي أوصلك لهذه الزاوية، وبالتالي سيساعدك على التعرف على طرق لتخرج بها من المأزق الحالي الذي تمر به. فكر في الأسباب التي أوصلتك لما أنت عليه الآن، وكيف يمكنك لاحقاً منع تكرارها، ثم ابتعد اطوي مشهد الحزن الحالي وضعه في حقيبتك باعتباره خبرة اكتسبتها ودرس تعلمته، ثم تابع مشوارك لأنه لم يعد هناك داع لتبقى في مكانك الحالي!.
ماذا عن الأشخاص؟
للأشخاص دورهم بلا شك، فهم إما فاعل أو مفعول به أو مفعول معه، ويعتمد أثرهم على الدور الذي لعبوه قبل وأثناء وبعد فترة الكساد، ومجاملة من كان له أثر سلبي لن تضر أحد سواك، فكن حازماً مع من يستمتع برؤيتك تتألم، وكن فطناً لتفرق بين من يهتم ولا يهتم لشأنك، وتعامل معه بما يستحق، ولتتذكر انه من الجحود أيضاً أن ننسى جهود ومواقف من كان معنا دائماً بسبب ظروف لم يكن له يد فيها. فما ذنب عائلتك إن كان لديك مشكلة مع احد اصحابك! ولماذا الإهمال في الدراسة أو العمل بسبب مشاكل شخصية!
كن شجاعاً وتعامل مع المشكلة، ولا تقحم أحداً فيها لمجرد أنك حزين أو غاضب، تعامل مع الموقف ومع من تسبب بالموقف، ولا شك أن الاستشارة والاستخارة لهما دور لا يستهان به في إيضاح الصورة وزيادة أبعاد رؤيتها.
أمر آخر لا يقل أهمية وهو: احذر أن تفكر فيما يقوله الناس عنك! فالتفكير في ذلك لن يزيدك إلا هماً، وسيزيد من عجزك عن النهوض واتخاذ القرار المناسب. فكر بما أنت فيه وكيف يمكنك التغلب عليه، فهذا هو الاستثمار الحقيقي، وغيره هو إهدار لموارد باتت نادرة وفي وقت عصيب.
ولكن كم ستطول فترة الكساد؟
الفترة بالتأكيد تخضع للتأثير الطبيعي للموقف، لكن أثر هذا الموقف ليس بقوة مدى رغبتك في استمراره! ورغبتك بانتهاء المشكلة ليست كلمة تتفوه بها، لكنها قرار جاد تبدأ بتنفيذه، وخطة تجتهد في التزامك بها لتصل لبر الأمان. واحرص أن تشتمل هذه الخطة على تعلم مهارات جديدة، أو لقاء أشخاص إيجابيين يقدمون لك يد العون والدعم.
وطالما أنك تشعر بأنك لازلت تحت ضغط فترة الكساد، وأنك لم تعد قادراً على ممارسة كل أعمالك السابقة، فكن واقعياً في تحديد أولوياتك، لأن التفريط بها سيزيد وضعك النفسي سوءً بسبب الإحباط الذي سيتراكم حينها، وإنجازها سيولد لك دافعاً داخلياً يقوي من عزمك على فعل المزيد. وفي بعض الأحيان تكون محتاجاً لتغيير عادة من عاداتك، أو تعلم مهارة جديدة تكسر من الروتين الذي لازمك تلك الفترة التي لم تكن سعيدة. لذا تعلّم أو اقرأ أو مارس هواية جديدة، فهذا هو وقت التغيير بلا شك..</SPAN>
اعرف عدوك
الشيطان سيكون بالتأكيد متواجداً، وسيزيد من تهويل الموقف ومن كآبته و سيبدع في تصوير عدم قدرتك على مواجهته. تذكر أن الأفكار والوساوس هي من فعل الشيطان، فلا تكن فريسة سهلة، وقاومها بالعقل والمنطق والإيمان. تعرف على مداخل الشيطان لتتمكن من إغلاقها، تذكر أن البعد عن ذكر الله والتهاون في أمر الصلاة والوقوع في المحرمات هي مما يزيدك ضعفاً، خصوصاً أن الشيطان سيصور لك حينها بأنك معذور وتحتاج للترفيه والتسلية، لكن ما الفائدة من ” تسلية ” تبعدنا عن رضى الرحمن وتوفيقه وعونه!!
.
مخزون الطوارئ!
طالما أننا ندرك طبيعة الحياة، فإننا لابد وأن نكون مستعدين للأيام الصعبة فيها، وذلك من خلال مخزون معرفي وإيماني ونفسي نجمعه في أيام الرخاء. وعلى قدر اجتهادك وجودة اختيارك للمخزون، على قدر استفادتك منه لاحقاً.
فمن الناحية الإيمانية: قال صلى الله عليه وسلم: [ تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ].
ومن الناحية النفسية: فإن قائمة بأهم إنجازاتك وأخرى بطموحاتك، وربما ثالثة بذكرياتك السعيدة سيكون لهم أثر كبير في تجاوز العقبة النفسية التي تمر بها.
ومن الناحية الاجتماعية: فأن تكون إنساناً معطاءً كريماً، وأن تكون محبوباً لأقاربك، وأن تحسن اختيارك لأصدقائك، فإن هذه كلها توفر لك سنداً لتلك الأيام الصعبة.
وهكذا يكون بعد فترة الكساد نهوض وتقدم باهر بإذن الله وعونه وتوفيقه، بل ربما يكون ذلك الكساد المؤقت هو قاعدة الانطلاقة الجديدة التي ستجعل من حياتك أكثر روعة وسعادة مما كانت عليه سابقاً.. من يدرى؟!