هل لي أن أدعو الخلق كي يذرفوا عندها الفاتحة؟!

عندما كتب عبد العزيز المقالح في القصيدة التاسعة عشرة من كتاب الأم:

سلب الموت أمي
وأفقدني أعذب الكلمات
التي كنت أزهو بها
أتباهى بتمديدها
ذاهب لزيارة أمي
عائد من زيارة أمي
بماذا غداً أتباهى؟
وقد سلب الموت أمي؟
وأولى الحروف التي سكنت
في فمي
واستوت فوق ماء لساني

كان يتوهم ...فقد ذوبه الفقد والحنين حروفاً تتسامى لتعرج إلى روح أمه لعلها تتواصل معها هناك في جنة الخلد وتأنس بذكرها تبدد به وحشة الفقد ولوعة الفراق وخواء الوحدة
كتاب فريد في تاريخ الشعر العربي ، سما بموضوعاته مثلما تألق بسحر بيانه وشفافية روح معذبة تنتشر في الكون كله حنيناً وتمتد في كل أفق أجنحة تخفضها ذلاً حيناً، وتحلق بها حيناً آخر، يقودها توق أبدي للعودة إلى شق النفس التي قدت بين عبد العزيز وأمه........

القصيدة الثالثة عشرة:

في الليلة الأخيرة
كان السراج واهناً
كانت عيون القلب لا ترى
ما كتبت يد الأيام في جدار
الغرفة الصغيرة
من ذكريات حلوة
وذكريات كالأسى مريرة
كان فم التلفاز صامتاً
كأنه جزء من الجدار
لا رنين
لا ضجيج
فجأة تكلَّمَتْ
هل رجعت بغداد؟
قلت لها: سمعت أطفالاً
تضيء غبطة الكلام في ألفاظهم
يرددون إنها عادت
ويكتبون في المصابيح وفي الحصى
صورتها الجديدة
لم يفصح الأطفال عن عودتها
ولا المصابيح
ولا الحصى
بغداد في الأسر كما كانت
لكن أمي ابتسمت
قبيل أن يميل جفنها
وتلفظ الأنفاس

القصيدة الخامسة والعشرون:

هل شاهدتم فجراً مات
وشمساً دخلت كفناً
هل شاهدتم صبحاً كالليل
نهاراً أخلى موقعه للعتمة
عيني...هذا الثقب المفجوع
رأى
شاهد واكتنز المنظر
كانت فتيات الحي هناك
ينظرون إلى الشمس وقد جنحت
نحو الليل صباحاً
والتفت بالكفن الأبيض
عيناها مغمضتان
ولكن الوجه صبوح
وضحوك
كيف انطفأت روح الشمس
وكانت بالأمس تضيء
وتنشر أفياء الحب
وأحلاماً خضراء

القصيدة السابعة والعشرون:

عليك السلام
تنزل فوق التراب
على شكل فاتحة أو قصيدة
أنام وحيداً هنا
وأصحو وحيداً
وأنت هناك
وحيده

كيف نحمل أحبابنا للتراب
ونتركهم في الخلاء
وحيدين
لا ماء، لا خبز
لا عطر لا أصدقاء
ونغرق في ثرثرات
بليده

عليك السلام
أنا الآن في حيرة
أسأل الصبح والليل
أسأل وجه الظهيرة عنك
لماذا تأخرت؟
طال غيابك
هل أنت هانئة في البلاد الجديده؟!

القصيدة التاسعة والثلاثون:

كانت صامتة
في جلستها ذات السمت الصوفي
عيناها مترعتان بشوق
يسبقها نحو الله
ويفضي كالضوء الصامت
نحو الملكوت الأعلى
كان الشوق حنيناً مكتوماً
صار حديثاً مفتوحاً
مثل كتاب تقرؤه الشمس صباحاً
ونجوم الليل مساءً
إني أسمع جدارن البيت تنوح عليها
ونوافذه تبكي طلعتها
يا موت: تمهل
دعني
دع روحي تتملى من شمس يديها
وظلال معانيها

تقترب الساعة
ينشق القبر
وتمتد على الطرقات المفتوحة
سجادات بيضاء
يسير عليها القرآن
تضيء مصابيح نهار لا يفتأ يمسح
عن عينيه الضوء الخافت
يمسح عن شفتيه دموعاً حارقة
ما هذا ...يا الله!!
أمقبرة ما أبصر أم تلك حديقتها
الخضراء؟
تبارك خلاق الأرض
وخلاق الناس
وخلاق الموت
وما بعد الموت!!!!!!!

فاتحة
لم يكن غير دمعي البريء
جرى فوق ماء السطور
وشكل في لحظة
لون يتمي
وأسئلة من شتاء الكآبة
لا من ربيع الكتابة
هل لي وقد جمد الدمع
أن أدعو الخلق
كي يذرفوا عندها
الفاتحة؟!

لا يوجد في العالم وسادة أنعم من جفن الأم ولا وردة أجمل من ثغرها

وليام شكسبير

لسوف أعود يا أمي

أقبل رأسك الدافي

أبثك كل أشواقي وأرشف عطر يمناك

تركيب جميل كنت قد قرأته في كتاب للمنفلوطي :
تلك التي اتخذت لي من أحشائها سريرا قبل سريري .. و من يديها مهادا قبل مهادي ..

» ما هو هذا الخلق؟
» لا تقرأ الفاتحة بسرعة ... انظر لماذا ؟