عقد شراكة طويل الأجل

عدد المساهمات : 445 تاريخ التسجيل : 22/02/2010

مهما طال عمرُ الإنسان، وتمتع بألوان من النجاحات، تبقى الطريقُ طويلة جداً ليعلن فوزه النّهائيّ والحتمي، ففي نهاية كلّ درب زلّة، وداخل كل طريق مطبّات ومنعطفات، حواجز أو حفر، أسلاك شائكة ومنحدرات، كلما نجا من واحدة تورط بأخرى، والفائز الحقيقي هو من يستطيع التغلب عليها جميعاً بأقل خسائر ممكنة.

هذه هي الدنيا، رحلة لجمع الكنوز، رحلة عملٍ شاقّ وشيق في آنٍ معاً، لا توهب للكسالى ولا للنائمين، ولا تقدم شيئاً للضعاف المتخاذلين، كما أنها تقدم كلّ شيء للراغبين الجادّين، أصحاب الهمم العليّة، الراغبين بألا يكون مرورهم فيها عابراً بلا معنى...

يحصد المرء النجاح فيشعر بالحب لما حققه، يخفق قلبه بالفرح كلما تملك مركزاً أكبر، شهادة أعلى، وظيفة أهم، شقة أجمل، سيّارة أفخم، نقوداً أكثر...

وهذا الحبّ يقود للتعلق بكل ما حصل عليه، فهو بشكل أو بآخر يكوّن جزءاً من عمره وتعبه، وعرق جبينه، مما يجعله لا يفكر أبداً بالتّخلي عنه مهما كان السّبب.

تأتي آية في القرآن الكريم تهذّب في الإنسان حب التملك، تواجه فيه الجشع، ترغمه على التخلّي عن أنانيته، وتقديم شيء من هذا الأفضل الذي تعب في الحصول عليه للآخرين... مجاناً ومن دون مقابل!!

يقدمه على وجوه خير كثيرة لله سبحانه، تارة على سبيل الشّكر لله على نعمته وتوفيقه، فمهما بذل المرء من جهد في سبيل تحقيق النجاح، ومهما أرهق نفسه لينتزعه ويحصل عليه، فإن ذلك لا يتم ولا يكون إلا بتوفيق الله تعالى له، وبإنعامه عليه بذلك الفوز، فهل أقل من تقديم شكر بأن يهب شيئاً من هذه النعم للآخرين؟!

وهو يقدمه على سبيل تعويد النفس على العطاء والكرم، وتحطيم الأنانية التي قد تسكنها حين تتملكها رغبة التملك، أو يقدمه على سبيل المحبة للآخرين، ودعوتهم لمشاركتهم حلاوة الفوز وروعته، وهو بذلك يُبارك نجاحه برضوان الله، وبطيب الأثر الذي تركه في القلوب التي تلقت منه أكثر ما يحب، بكثير من حب!

يقول الله تعالى في سورة آل عمران : " لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ".

لعل هذه الآية ستدفعنا لإعادة صياغة مفاهيم الخير السائدة بين الناس، سنجد من تتبرع بجزء مما تمتلك، وسنجد من يقدّم من طعامه طبقاً مزيّناً شهياً للمحتاج، وقد نجد من يتبرع بدورات تدريبية مجانية في مجال تخصصه لكل المهتمين، سنتوقع مشاركة في أفكار متميزة، أو انطباعات عن كتب نافعة، سيظلّ مفهوم الخير وعمل الخير سائداً كما كان من قبل، لكن سيضفي عليه حسن تطبيق الآية آثاراً حضارية متميزة، ورقيّاً تعبر عنه روح المشاركة لكل من يزكي بشيء مما يحب، لتغدو الحياة بالنسبة إليه أروع مما يحب، لأنها قائمة على ما يحبه الله له ويرضاه، والله لا يرضى للإنسان إلا كل ما فيه خيره وسعادته وفوزه، فلنوقع على عقد شراكتنا مع الآخرين منذ الآن، ولتبدأ المبادرة من هنا...