يا راكبين في زورق واحد هل تجدّفون باتجاه واحد
كيف يكون الاجتماع خسارة و"الكل" أدنى من مجموع أجزائه!
البروفيسور كارل هارشمان
مؤسس ورئيس شركة هارشمان الاستشارية Carl L. Harshman & Associates, Inc
----------------------------------------------------------------------------------------------------
شركة السحاب متخصصة بتصميم وبناء الطيّارات. مضى عليها في هذا المجال عمرٌ ليس بالقصير كانت تسير فيه دون مشكلة. لكن في أحد الأيام بدأ كل شيء بالتغيّر. لقد أخذ عمل الشركة يتضاءل وينحدر بسبب المنافسة. ومضت الشركة في تعاملها مع المسألة بطريقتها المعهودة فاقترح أحدهم أنّ عليها الخروج بطائرةٍ جديدةٍ تماماً حتّى تعود إلى ساحة المنافسة، وفاز الاقتراح بالقبول..
لا تفزعوا.. العقلية التي أوصلتكم إلى المشكلة.. ستخرجكم منها!من مقرّهم في مقاطعة الجبل العالي أرسل زعماء الإدارة العليا توجيهاً يقضي بتصميم الشركة طائرةً جديدةً كلّياً. ولأنّ كلّ المصمّمين والمصنّعين كانوا مشغولين إلى حدّ الغرق في المحافظة على حياة الشركة القديمة، ولأنّ كلّ واحدٍ كان مركزاً على الأهداف المرسومة له والمربوط بها تعويضه الماليّ فإنّ تصميم الطائرة جرى على أيدي أفراد وفرقٍ صغيرة بطريقةٍ بعيدةٍ عن التنظيم ولا يكاد يرى فيها أثر للالتزام بالنتيجة الكبرى.
مضى خبراء الديناميكا الهوائية والأجنحة إلى تصميم وصنع أجنحةٍ ثوريةٍ طالما كانوا يحلمون بها، وهل هناك أهم من الأجنحة للطائرة؟.. ومضى خبراء الطاقة إلى تصميم محرّكاتٍ خارقة ومولّدات كهرباء فعّالة، وشرع فريقٌ بالعمل على قمرة القيادةٍ والتحكّم وهل هناك ما هو أهمّ منها لأي طائرة؟..
هكذا سارت الأمور، وفي كل بضعةً أسابيع أو أشهر ينطلق مصمّم إلى قلعة الإدارة العليا ليبلّغ عمّا حقق من منجزات، وكثيراً ما كانوا يصطحبون معهم مجلّداً ورقياً سميكاً والكثير من شفافيات العرض الملوّنة، والكثير من إثباتات أنّ عملهم يتقدّم بخطوات واسعة نحو أفضل طيارةٍ يعرفها عالم المستقبل.
على هذا الحال كرّت شهور وراء شهور. وعندما كانت تقع نزاعات هنا وهناك على أولوية توزيع الموارد بين العاملين على أجزاء الطائرة المختلفة فإنّها كانت تحلّ بالطرق الراسخة في المنظمة القائمة على سياسات العلاقات وشبكات التحالفات، ولم يبدُ لهذه الخلافات أثر على جهود بناء الطائرة التي كانت تتباطأ كلّما امتدّ بها العمر وتتسع الفجوة بينها وبين الجدول الزمني المرسوم.
يا راكبين في زورق واحد ومجدفين باتجاهات
هل حصيلة ركبكم غير نزاعات ومتاهات؟أخيرا حانت ساعة الحقيقة وجاء وقت تجميع الطائرة قبل أن تفحصها إدارة الشركة. حتّى هذه الساعة كانت كلّ مجموعةٍ تشتغل على تصميمها الخاص دون اهتمامٍ كبير بمدى تلاؤمه مع الطائرة النهائية (بل ربما دون أن تبالي على الإطلاق بهذا التلاؤم، تعمل كما ترى، لما ترى!) وجاء كل فريق بما صنع من مكوّنات.
كانت مجموعات الأجنحة رائعةً وهي منفردة ولكنها غير قابلة للتركيب على جسم طائرةٍ واحدة لأنّ لكل منها معايير مختلفة! وأمّا المحرّكات ومنظومات توليد ونقل الطاقة الثوريّة فقد ظهر أنها لا تصلح لصنع طائرة "اقتصادية!" ومقصورة القيادة والتحكّم لم تكن متناسبةً مع جسم الطائرة، وجسم الطائرة كان عريضاً لن يتيح في النهاية بناء طائرة السفر المستقبلية التي كانت الإدارة العليا تحلم بها.
كان كل جزءٍ منفردٍ مقبولاً من منظور صنعته التقنية الاختصاصية ولكنّه يغدو عند محاولة التجميع كارثة.
وطاقتكم المهدورة في التنافر بينكم.. ماذا يبقى منها لتحدّي التيّارات؟بعدئذٍ بدأت لعبة رمي وإلصاق الاتهامات. لامت الإدارة مجموعات العمل على إخفاقها في تصميم الطائرة كما ينبغي. وشنّت المجموعات على الإدارة الرئيسة هجمات تتهمها بالافتقار إلى القيادة. واشتبكت المجموعات فيما بينها أيضاً: قالت مجموعة الأجنحة إن من عمل على جسم الطائرة لم يفقه من دروس الماضي شيئاً ولا صلة له بمتطلبات المستقبل. وقال فريق المحرّكات إن العيب ليس في محرّكاتهم بل في بنية الطائرة ذات التصميم الأعوج والتنفيذ المتخلّف، ولولا ذلك لكانت المحرّكات درةً على تاجٍ تكنولوجيّ!..
وهكذا مضت الأيام وكل مجموعةً منهمكةً في إثبات أن الآخرين هم مصدر الخلل ولم تكن تنظر في داخل أنفسها ولا إلى الموقف بصورةٍ كاملة. كانت المجموعات مجرّد كومة من الأجزاء تبدو متضمّنةً للكثير من الموارد ولكنّها لا تعطي إلاّ قيمةٍ ضئيلةً عند محاولة تجميعها لإنتاج "كلٍّ" واحد قادر على إثبات امتيازه والتفوّق في ميدان المنافسة.
في هذه الحالة كانّ "الكلّ" أدنى وأصغر من مجموع أجزائه.
وماذا فعلوا بعد ذلك؟ هل تعلّموا الدرس؟ هل أتى عليهم وقتٌ أصبح فيه الناس المختلفون المكلّفون بأجزاء الطائرة المختلفة مدركين لصورتها النهائية الكاملة ومتكيّفين معها؟
هل وصلوا إلى إدراك أنّ غياب الخطة والتنسيق والالتزام منذ البداية لم يكن إلاّ إفلاتاً للمركب في بحرٍ من الاضطراب وهدر الموارد؟
هل صار كلّ منهم يرى مساهمته وأثره في الحصيلة النهائية، رؤيةً صحيحة مجدية؟
لا نعرف ماذا حدث معهم. لن نعرف إن كانوا تعلّموا الدرس حقاً حتّى نرى نتيجة محاولتهم التالية..
وأنتم أعزائي القرّاء ماذا تريكم محاولاتكم؟
هل أنتم بحارة متكافلون على سطح مركب واحد أم شركاء متشاكسون في ميدان صراعٍ واحد؟---- من مجلة عالم الإبداع -----