صعقة مستني..شلتني تماماً..مسكين هذا القلب لم يُروَ
ظمؤه بل برّح بلعومه الألم ،لم يذق حلاوةً بعد
مرارة الأشواق بل ذاق طعم الخلاء...طعم
الفناء..طعماً لا يدري أهو حيٌ عندما تذوقه أم انه قد
مات وفارقت روحه المادة فلم تعد حليماته الذوقية
تميّز شيئاً ..نعم هي الفاجعة ..هي القاضية..إنها
الروح الملتاعة التي تفيض إلى المحبوب وتمزّق
جسدها لو أن شيئاً من هذه المزق قد تصل إليه ،لو
أنها فقط تصبح روحاً كما هذه الأرواح ..لو أنها تقدم
مهجة الفؤاد لما استكانت للحظة وقد قدمته بالفعل
،هذه الروح قد فارقت قد فارقت فؤادين لتكحل مآقيها
بمآقي المعشوق..لكن هذه العيون قد ودّعها الكحل
إلى أن يشاء الله له أن يعود،وليت الأمر يقف عند
الكحل فقط ،بل إنه ذاك الثوب الزمردي الذي تبحر
العين به فلا تملّ رؤيته ولا يضنيها تسبيح خالقه
،وكلّ هذا قد رحل...رحل عندما أتيت..وكأني بيني
وبينه عداوة ..رحل المحبوب واستعاض عن روحه
بجسدٍ متخشب متحطم ..جريح رغم مفارقته لروحه
فإنه لا يزال ينزف دماً ،رحل المكان..لا أدري إلى
أين ..رحلت بلادي لا أدري بأي أرضٍ هي ،فهي
في القلوب حتماً لكن ذاك الإطار الذي يسمى أرض
لا بدّ أنه فارقها لأني لم أعرفها ..لو كان معها فإن
أوّل شعاع ينسل من بين غيومها سأعرفه ..وأنى لي
ألا أعرف معشوقتي الأبدية ..محبوبتي
الحسناء..وأنا العاشقة الدمشقية ،أنا التي أهيم في
ياسمينها وأعلو مع علا قاسيون..أنا ابنة دمشق
فكيف لي ألا أعرفها يا قوم..أمي رأيتها
متعبة..شاحبة بلون الرمال القاحلة..خدشها الصبار
بل مزقها..أمي قد غدت تلك الرمال التي كانت
تراب قد أصبحت الآن رمادية كخطين أسودين قد
حفرتهما دموع أمي المريضة على وجهه المصفر
المرتعد ،دمشق يا أماه كنت أمي بعد أمي..يا حبيبة..قد انفطر قلبي ...تبعثرت روحي...تشتت
عقلي...وخررت صريعة عندما قدمت إلى
بيتي،جلست على أرضه وبكيت...بكيت دون أن
أملك للدموع مفتاحاً...بكيت لا عن حزن..لا عن ألم
بل بكيت عن ضياع..أنا أغترب في وطني!!! وطني
قد أضحيت غريبة في حناياك لا أعرف نفسي ولا
أعرفك من أنت..أأنتِ شامي يا شآم...يا شآم المجد
أين مجدك الآن...يا عروس الحب أين حبك هنا في
هذه القلوب الخاوية..وجدت الأفئدة لا معنى يحصد
نبضاتها..بل تجري هكذا كما تمر الرياح على
الأرض الجدباء فلا تأخذ إلا الحصى وتخدش من
حولها...خدشوني عندما رأيتهم يأكلون ويشربون في
الشوارع وكأن شيئاً لم يكن..ذبحوني عندما ذهبوا
في استجمام وكأن الأرض ما زالت تدور كما كانت
تدور من قبل،ربما ذبحت أكثر عندما ظنوني أنني
أنا كنت في استجمام وأنني ذهبت لأرفه عن نفسي
ولأجعلها تتوه كما تاهوا...أولا يعلمون أني أتجرّع
كؤوس الكمد و أقاسي سموم الصمت أكواباً..أولا
يعلمون أني تركت هناك جزءاً من قلبي لأنه لم
يستطع المجيء مع روحي ...أولا يعلمون أني
عزفت ع الطعام ..ومقتّ البشر وآثرت المكوث مع
مصحفي دون الأناس..قد وجدته لي آسياً في
دمشق..هو والقلوب التي تسارع إليه...فيه الأمل
كله..فيه النبض جله..في الحياة التي ننتظرها
والممات الذي نرجو أن نموت عليه...إنه هو يا أمي
وحده..وحده رباه من يعلم..وحده رباه لا أمر بعد
أمره لا قضاء بعد قضائه..لا حكم بعد حكمه..رباه
وحدك نستدرّ الجود منه..رباه إليك تهفو الأفئدة...لا
تسألك رد القضاء ولكن تسألك اللطف فيه..رباه أنت
اللطيف لا يخفى على لطفك جوع نملة تبحث عن
قوتها فتهديها إليه بين حبات التراب..لا يعسر على
رحمتك أن تشمل طيراً ضلّ عن مأواه فقدته إليه
بعظيم قدرتك..فكيف يا رب وهذي الشام!!هذي
الشام كنانة نبيك المصطفى المختار الذي أرسلته
رحمة للعالمين..فكيف يا رب وهذه الشام تبكي!!
رباه إن أمي طريحة الفراش وأنا الوليد الذي لا أملك إلا الدموع لترفع رجائي إليك...يا رب أمي!!دمشقي!!
أيا دمشق عودي إليه فلست إلا له وإليه..عودي يا أماه وخذيني معك..فلست أقوى على مفارقة المهد أهدهد بصوتي الحنون إليك..عودي إلى الحق ذي الجلال والإكرام..عودي فإن في وصاله عزة..إن في دعائه فرجاً ومخرجاً..عودي يا أماه فإني في انتظار.
10/9/2011
11/شوال/1432
مساءً11:55