ثمانية حواجز تعرقل تفكيرك النقدي الفعّال
جين بندار
مدير مشارك في برامج إعداد القيادات بقسم السياسات والتطبيقات الصحية بجامعة نورث كارولينا
مدير تسويق حديقة الأبحاث التكنولوجية بجامعة ولاية نيويورك
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
ألا يمكن أن تكون العقبات في تفكيرك النقدي Critical Thinking مانعةً لك من صناعة قرارات أكثر فاعلية وإبداعية وخصوصاً في عملك كمدير؟ كيف يمكنك أن تقي نفسك من شيءٍ لست مستعداً للتفكير في احتمال إصابتك به ولا للتأمّل في طرق وقاية نفسك منه؟
في كثير من الأحيان نقع نحن البشر ضحايا أنماط وقوالب التفكير الجاهزة Patterns المريحة دون أن نتروّى وندقّق ونتأكّد من فاعليتها. وعندما نقع في هذا فقد لا نحصل على النتائج المرجوّة لأننا لم نطرح الأسئلة الصحيحة أو لم نطرح القدر الكافي منها اللازم للتوصّل إلى الاستجابة المثلى في مواجهة المشكلة.
تعرّف الباحثون وأخصائيو الإدارة على أكثر من مئة حاجز مختلف تعرقل التفكير النقدي الفعّال، وفي السطور التالية نستعرض ثمانية حواجز ينبغي على أيّ تنفيذيّ أن يحفر فهمها والحذر منها حفراً في ذاكرته. وقبل البدء إليك عزيز القارئ اختصاراً يجمع أوائل أسمائها بالإنكليزية: CAT MAGIC.
1- انحياز التأكيد Confirmation Bias لوي أعناق المشاهدات كي تلائم معتقداتنا
كم مرةً رأيت نفسك عزيز القارئ –أو رأيت غيرك- ينطلق في البحث عن المعلومات التي تدعم وجهة نظره ولا ينطلق في البحث عن الدلائل "الحيادية" بمفردها أو بمجموعها؟
إنّ أفضل طريقة لمقاومة هذا الميل الطبيعي نحو التأكيد أن تتجه بجدّ لاستطلاع واستدعاء المعلومات المناقضة لما تعتقد.
2- انحياز النسبة (الانحياز للذات)
Attribution –Or Self-Serving- Biasإنّه الاعتقاد بأنّ كل المنجزات والحوادث السارة لنا إنما تقع بسبب عوامل داخلية كامنة فينا وأنّ كلّ الأشياء الكريهة تقع بسبب عوامل خارجية، والعكس هو الصحيح فيما يحدث لدى الآخرين. إنّ هذا الانحياز يسبب تحديداً وتضييقاً شديدين في رؤيتنا لتصرّفات الآخرين "رؤية نفقيّة" وخصوصاً السلوكيات السلبية فلا نرى ونفهم إلاّ أنها خطأ ارتكبه هذا الشخص الشرير ولا نحسب للظروف حساباً.
3- الثقة بدلائل الشهود Trusting Testimonial Evidence
اعتبار مشاهدة الشاهد مشاهدةً للدليليؤدّي الوقوع في هذا التوهّم إلى تصديق المعلومات التي ينقلها إلينا شخص نراه ونسمعه حتّى لو لم يكن هناك ما يدعم ما يقول. ومثالاً على عموم وتجذّر هذه النزعة في البشر نرى الدراسات المختلفة تجمع على أن الناس يميلون إلى شراء سلعة معينة نتيجة تزكية أشخاص آخرين أكثر من نتيجة الإعلان أو الجهود التسويقية الأخرى، بالرغم من أنّ معظم هؤلاء الناس لا يكادون يعرفون شيئاً يؤكّد أو يدعم حقيقة هذه التزكيات.
4- انقطاعات الذاكرة Memory Lapses كلّ إنسان معرّض للفجوات في شرائط ذكرياته، وليست هذه المشكلة. المشكلة الخطيرة إنما هي نزوع البشر إلى ملء فجوات الذاكرة بمعلومات قد تكون صحيحة وقد لا تكون. بكلماتٍ أخرى: إننا لا نتفرّج على شريط الذكريات الدائر أمامنا بل نختلق فيه اختلاقاً، وعندئذٍ قل لي بربكّ: من أين لنا التوصّل إلى قرارات مبنية على الوقائع؟
5- تقبّل كلمة السلطة لأنّها كلمة السلطة Authorityقد تظنّ نفسك عزيزي القارئ بعيداً عن هذا السلوك ولكنني أقول: ألست بشراً؟ إذاً فلا تستبعده عن نفسك. من التجارب السلوكية الشهيرة الملقية بعض الأضواء على هذه الظاهرة تجربة ستانلي ميلغرام الكلاسيكية الشهيرة. لقد رأى الباحث الأوّل وكل الباحثين والدارسين الذين كرروا التجربة كيف يمكن للإنسان أن يقدم على تطبيق صعقات كهربائية متصاعدة الشدة –حتّى الموت- على غيره من البشر لا لشيء إلاّ تنفيذاً لإرادة رمز السلطة في مجاله (العالم الباحث، أو المدير، أو المسؤول، مثلاً) بالرغم من أنّه ليس متأكّداً من صواب ما يقوم به.
ومن مظاهر هذا الضعف أو الانحراف عن التفكير النقديّ المستمرّة في أيامنا هذه التقبّل الأعمى والإذعان لمقولات أشخاصٍ بالرغم من دوران الشكوك حول خبراتهم أو درجاتهم.
6- التعميم انطلاقاً من ملاحظات محدودة Generalizingعلى سبيل المثال، يشاهد شيوع هذه الظاهرة في عمل التسويق الاستهلاكي، إذ نرى عدداً صغيراً من الناس في "مجموعة تركيز" يقرّرون اتجاه حملات إعلانية تكلّف الملايين، بالرغم من أنّ آراء أولئك المجتمعين لا يمكن إسقاطها علمياً لتكون ممثلةً لآراء المجتمع الأوسع. وظاهرة التعميم نفسها توجد عندما تناقش مجموعة صغيرة من التنفيذيين أو أعضاء مجلس الإدارة مسألة ما.
ينبغي علينا أن نتخذ موقفاً دائماً مقاوماً لإغراء الطرق المختصرة في تناول وتحليل المعلومات. وكمثال على طرق إلغاء الانحياز الضمنيّ الدائم للمجموعات الصغيرة نذكر السعي لتلقّي الآراء ووجهات النظر الحرة غير المسترضية من العاملين في المستويات التنظيمية الأدنى.
7- الجهل ورفض الإقرار به Ignorance إن هذه خصلةٌ تؤدّي بالقادة إلى أن ينشئوا أو يتعلّقوا بمعلومات مصطنعة وتخرّصات لا سند لها. من من البشر يرضيه الظهور بمظهر المغفّل في أيّ شيء؟! وإذاً أليس أسهل على النفس من الاعتراف بنقص المعرفة ادعاء المعرفة ادعاءً ثمّ المضيّ في شرح وتحليل الاختلاق بطريقةٍ تظهره بمظهر الحقيقة؟
انتبه يا عزيزي من نفسك وعلى نفسك! احذر ممن تجد لديهم سرعةً هائلة في تقديم الإجابات المؤكّدة أو تباطؤاً وتمنّعاً ومراوغةً من الإقرار بأنّهم لا يعلمون.
8- المصادفة Coincidence
(أو: قانون الأرقام الكبيرة فعلاً Law Of Truly Large Numbers)الاعتقاد المتوهّم بوجود علاقة ارتباطية أو سببية بين مشاهدات ومعلومات معينة، بينما في الحقيقة لا يرجع هذا الاعتقاد إلاّ إلى المصادفة المحضة –أو قانون الأرقام الكبيرة-
إنّ أية كتلة معطيات كبيرة يمكن أن تبدي علاقات بين محتوياتها، ولكنّ هذه العلاقات الظاهرة ليس لها معنى على الأرجح. مثلاً: يحتمل أن نجد بين رؤساء المشافي من شعورهم حمراء، لكن ليس هناك صلة أخرى بين كون المرء رئيس مشفى وكونه أحمر الشعر. وبالرغم من ذلك فإنّنا نحن البشر نصرّ على مشاهدة علاقةٍ سببية بين الأحداث أو التواريخ حيث لا توجد علاقة حقاً.
مثل أيّ سلوكٍ آخر يستحق قيام المرء به في حياته، ليس التفكير النقديّ الصحيح إلاّ بتحويل الأفكار إلى سلوكٍ معتاد. أوّلاً، يجب عليك الإقرار بأنّ مهارات تفكيرك النقديّ قد لا تكون على المستوى المطلوب، وعندئذٍ يمكنك المضيّ في تحسينها وصقلها. وفقط بعد أن تبدأ بتطبيق هذه المهارات مرةً بعد مرة في ظروفٍ متنوّعة فإنّها ستترسّخ وتعطي ثمارها. إنّ التفكير النقديّ يجب أن يصبح لدى القادة سلوكاً طبيعياً بقوّة العادة أو بقوّة الحاجة الأساسية مثل التنفّس، يجب أن يصبح جزءاً من جوهر قيادتهم.
---- من مجلة عالم الإبداع -------------