فصول في مدرسة الترغيب والترهيب،تلك المدرسة
التي تعد من أنجح المدارس في تقويم النفس، وتظهر أهمية هذا الكتاب أنه لما كثرت
مجالس اللغو وتشعبت مسالك الهوى، وطغى عصر المادة، وتاهت السكينة الإيمانية وسط
الزحام، وتعطش الناس إلى سماع:" هيا بنا نؤمن ساعة" هتف به عبد الله بن
رواحة، وما صفقاتنا الرابحة إلا صدى صوت عبد الله بن رواحة...
وهو كتاب أول ما يتجه إلى الشباب لأنه:
-الشباب أصفى ذهناً، وأقل انشغالاً، وأقوى
صحة، وأمضى عزيمة
-من شبّ على شيء شاب عليه، والتعلم في الصغر
كالنقش على الحجر، فأنت في شبابك تملك القوة الروحية والبدنية، التي تستطيع بها
غرس الفضائل في نفسك غرساً عصياً على الاقتلاع
-هذه المرحلة ستكون موضع سؤال في
الآخرة:"وعن شبابه فيم أبلاه؟" ومع ذلك فهي سريعة الانقضاء
-الشباب مستهدف من شياطين الإنس والجن
الصفقة الأولى: لا تتبع النظرة النظرة
أرباح الصفقة:
1.نشوة الانتصار:استشعار حلاوة الإيمان ولذة
المجاهدة
ليس الشجاع الذي يحمي مطيـــــته يوم النزال ونار الحرب تشتعلُ
لكن فتى غض طرفا أو ثنى بصراً عن الحرام فذاك الفارس البطلُ
2.الفراسة الصادقة:إنها منزلة إيمانية محتكرة
لمن غض بصره، يقول ابن القيم:"وسر هذا أن الجزاء من جنس العمل،فمن غض بصره
عما حرم الله عليه، عوّضه الله من جنس ما هو خير منه، فكما أمسك نور بصره عن
المحرمات، أطلق الله نور بصيرته وقلبه،.."
3.حماية القلب من شيطان يتسلل:القلب بيت
والعين بابه، ولا يدخل لص البيت إلا والباب مفتوح، فإذا دخل سرق حلية الإيمان
وجوهر التقوى..
قلبي يقول لطرفي:هجت لي سقما والعين تزعم أن القلب أنكاها
والجسم يقسم أن العين كاذبـــــــة هي التي هيجت القلب بلواها
4.اجتماع القلب على الله:يقول ابن
القيم:"إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور، والقلب كعبة، والمعبود لا
يرضى بمزاحمة الأصنام"
5.بركة الطلعة:قال عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا
من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون)
يقول الإمام الغزالي أنه وجد فيها ثلاث معانٍ
التأديب: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)
التنبيه: (ذلك أزكى لهم)ويطلق على معنيين
والله أعلم:الأول:التزكية بمعنى التطهير، والثاني:أن الزكاة في الأصل بمعنى
النمو،فنبه الله أن في غض البصر،تطهير للقلب وتكثير للطاعة
التهديد: (إن الله خبير بما يصنعون)
الشروط الجزائية:
إطلاق البصر من أوسع مداخل الشيطان، فإن
البصر جارحة لا تملأ بخلاف البطن،فإنه متى لمتلاً لم يبق له في الطعام إرادة، وأما
العين لو تركت فإنها لم تفتر من النظر أبداً، وتكون النتيجة الحتمية:
1.احتلال القلب: قلب الإنسان لا يتسع لشريكين
نور وإلا ظلمة ، قال ابن سمنون:" أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن
الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو تمثال)!! فإذا كان الملك لا يدخل بيتاً فيه
صورة أو تمثالن فكيف تدخل شواهد الحق قلباً فيه أوصاف غيره من البشر؟!"
2.هاوية العشق: قال ابن عقيل: "العشق
مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة والمتلمحة للصور لدواعي النفس ويساعدها
إدمان المخالطة فتتأكد الآفة ويتكن الأنس فيصير بالإدمان شغفاً" فإن لم تفق
من سكرتك بعد هذا الكلام فزن نفسك بميزان دقيق صنعه ابن القيم عساك تتوب وتعرف
قدرك عند علام الغيوب قال رحمه الله: "من أراد من العمال أن يعرف قدره عند
السلطان فينظر ماذا يوليه من العمل وبأي شغل يشغله"
3-النظرة ولادة: النظرة تولد الخطرة، والخطرة
تولد الفكرة، والفكرة تولد الشهوة، والشهوة تولد الإرادة، والإرادة تولد العزيمة،
فإذا قويت العزيمة وقع المحظور وسقطت في المعصية، قيل لوهيب بن الورد: "أيجد
طعم العبادة من يعصي الله؟ قال:لا، ولا من هم بالمعصية.."
4-أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ إن
النظرة إلى ما لا يحل تشغل فكراً في الحرام لو كان تفكراً في ملكوت السماوات
والأرض لكان من أفضل العبادات ولأثمر زيادة تقى وعلى يقين وارتفاع درجات....
5-النظرة ذنب:قال ابن القيم الجوزية في آثار
الذنوب:"قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر،
وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وربه، ومنع إجابة الدعاءن وقسوة
القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو،
وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم
والغم، وضنك المعيشة..."
تسهيلات الصفقة
1-اعقد مقارنة:قال ذو النون: دع المصوغات من
ماء وطين واشغل هواك بحور
خرد عين
فمن شغله اليوم التطلع إلى الغيد الحسان
فليعقد مقارنة بينهن وبين الحور..
2-اسلك طريقهم:
كان الربيع بن خيثم-أنجب تلامذة عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه-يغض بصره فمر به نسوة فأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن
بالله من العمى،
وقال محمد بن سيرين:"ما غشيت امرأة قط
في يقظة ولا نوم غير أم عبد الله –يعني زوجته- وإني لأرى المرأة في المنام فأعلم
أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها"....
3-شغل بالحق وإلا فالباطل:فالنفس إن لم
تشغلها بالحق شغلتك بالباطل
4-خوف يطفئ الشهوة: قال تعالى: (ولمن خاف مقام
ربه جنتان) قال مجاهد:"هو الذي إذا هم بمعصية ذكر مقام الله عليه فيها
فانتهى" والخوف من الله هو ثمرة طاعات عديدة: ككثرة تلاوة القرآن وتدبر
معانيه ومطالعة أخبار القيامة، وأهوال النار وأحوال أهلها، ومصاحبة الخائفين وسماع
أخبارهم، ومعرفة أحوال المغتربين واجتنابهم، وتغسيل الموتى، وحضور الجنائر، وشهود
حالات الاحتضار، واستحقار طاعتك في عينك، ومعرفة قدر الله ومقامه، والتفكر في
أسمائه وصفاته، وغيرها من مولدات الخوف وباعثات القلق
5-أكثر من الصيام: قال صلى الله عليه وسلم
موصياً من لم يستطع الزواج: (فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
6-اعرف كيد عدوك: للشيطان مع القلب صولات
وجولات ومن سياساته التدرج حتى يصل إلى هدفه ويضمك إلى حزبه ويجعلك من جنده فإذا
كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة فهذه الخطوة هنا هي النظرة
7-فليتزوج: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج...)
8-الله مطلع عليك: قال تعالى: (يعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور) وإليكم هذه القصة:
كان لابنة عمر بن عبد العزيز لؤلؤة واحدة
تستخدمها كقرط في أذنها وتنقصها لؤلؤة أخرى، فأرسلت إليه أن يعطيها لؤلؤة أخرى
فأرسل إليها بجمرتين ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت
إليك بأخت لها،
ونحن نرث مذهب الراشد الخامس ونقول لك يا
مطلق بصره: لو استطعت أن تجعل مكان عينيك جمرتين فأطلق بصرك..
عند التسليم:
سئل الحارث المحاسبي: إذا الرجل التائب عاد إلى النظر
المحرم بعد أن تاب منه فهل تصح توبته أم أنها توبة كاذبة؟فأجاب قائلاً:
ينقسم الناس في ذلك قسمين: -صادق في توبته
الأولى لم يصر على ذنبه وليس في نيته العودة إليه عند التوبة ثم عرض له فيما بعد
دون ترتيب له، فارتكبه،فيجب عليه أن يسارع بالتوبة لشروطها وصحت توبته الأولى
والثانية، بشرط عدم الإصراروعدم الترتيب لارتكابه
-تائب من ذنبه الأول على حب له وتمن لمقارفته
مرة أخرى، فهذا مستهزئ بربه وتسمى توبته توبة الكذابين لأن يتوب بلسانه على نية
العودة إلى الذنب بقلبه
من سيكمل بقية الصفقات...؟؟