انها إحدى الآفات التي لو تدبرنا واقعنا لوجدناها حجر عثرة في طريق طموحاتنا وغاياتنا وأحلامنا
آفة جعلت منا أمة لا يتخطى جهدها وواقعها بضع كلمات في كتاب أو جريدة أو حتى مدونة
آفة تتلخص باختصار في أننا أمة شديدة التميز في تشخيص أمراضها، وعظيمة الإبداع في صياغة مشاكلها صياغة تعبيرية مبهرة لا يعجز الطفل الصغيرعن فهمها .. ولكنها (بلا فخر) تحصل على درجة الصفر في ترجمة هذه الصياغة إلى واقع عملي محسوس يخرجها من أزمتها أو مخاضها إن صح التعبير
يمكنك أن تدخل أي مكتبة في بلادنا المنكوبة، فتفاجأ بهذا الكم الهائل من كتب الفكر وتلك الكتب التي تعتني بالتحليل ووضع النظريات .. فهذا كاتب يحلل واقعنا السياسي وذاك آخر يحلل واقعنا الإجتماعي وآخر يحلل واقعنا الإقتصادي ... الخ
فإذا ما فتحت أي كتاب من هذه الكتب فإنك لا تملك إلا أن تنبهر من روعة أسلوبه وبيانه، وتسحرك منطقية تحليله وعرض حلوله
حين تدخل على شبكة الإنترنت فتطالع منتدياتنا ومدوناتنا فإنك تجد شبابا واعيا يجيد عرض أفكاره وانتقاداته وأحلامه
وبعد أن تفرغ من كل هذا تحسب أننا أمة رائدة ليس لها نظير ولا منافس لريادتها
فإذا خرجت من بوتقتك وصومعتك التي اعتزلت فيها فإنك تذهل وتصدم مما تراه من هذا الكم الهائل من التخلف الحضاري والسياسي والإجتماعي والأخلاقي .... الخ
وحينها تعجز عن فهم تلك المعادلة الغريبة التي توافرت أغلب معطياتها ولكنها لا تجد سهما يوصلها إلى نواتجهامن الجميل أن تعرف أن لديك مشكلة
ومن الأجمل أن تحدد تلك المشكلة
ومن الرائع أن تنجح في تحليل تلك المشكلة
ومن الأروع أن توفق في صياغة حلول تلك المشكلة صياغة منهجية منطقية
ولكن الغريب كل الغرابة أن تعجز عن حل تلك المشكلة!
لماذا لا نتزحزح للأمام مع أننا أمة لا تتوقف عن التفكير ولا تنقصها الفكرة ؟؟؟
لماذا لا نتحرك قدما مع أننا أمة تحسن عرض الفكرة ؟؟؟؟
لماذا لا تأتي الفكرة بالخطوة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ما السبب يا ترى ؟؟وإذا سألت أصحاب الأفكار والأحلام عن السبب بطل العجب .. فهذا ينسب السبب إلى المدارس والبيئة التربوية، وذاك يعزيه إلى عقول لا تحتمل أفكاره وذاك يفسره بزمن موبوء لا يتسع للأفكار والأحلام الجديدة .. فلا تملك وأنت تسمع تلك الأسباب إلا أن ينطق لسان حالك قائلا
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانالا ننكر أي سبب من تلك الأسباب بالطبع ولكن علينا ألا ننسى أكبر وأهم سبب وأشدهم خطورة
إنه نابع من أنفسنا .. إنه نابع من كون أغلبنا لا يحسن إلا فن التنظير والعرض ويرسب بجدارة في امتحان تحويل نظرياته إلى حركة يتحركها وإلى خطوة يخطوها إما لكسل وإما لضعف العزيمة وإما لانخفاض الهمة .
ببساطة .. لقد أصبحنا (ولا فخر) أمة ثرثارة لا تجيد إلا فن الكلام الذي لا ننكر أن لنا باع طويل وخبرة عظيمة فيه
إننا نفكر لا لأننا نريد أن نعمل .. بل نفكر لأننا نريد أن نفكر وفقط
إننا نتكلم ونكتب لا لأننا نريد أن نطور .. بل لأننا نريد أن نتكلم ونكتب وفقط
إننا نحلم لا لأننا نريد أن نحقق .. بل لأننا نريد أن نحلم .. وفقط
كل واحد منا تنتابه مشاعر وأحاسيس وأفكار وأحلام تكفي لأن تجعل منه بطلا أسطوريا وتكفي لأن تجعل من واقعنا واقعا مثاليا ... ولكن .. هذا البطل الأسطوري وذلك الواقع المثالي لا يتجاوز مخيلاتنا وإن تجاوزها فهو لا يتعدى أوراقنا وأقلامنا وعلى أقصى تقدير يتحطم عند أول عقبة تواجهه في طريقه
لقد أصبحنا ولا فخر أمة نظرية يجوز ترميزها بورقة أو قلم أو كتاب ولكننا لسنا أمة عملية على الإطلاق
وأستحضر في هذا العرض قول احدهم :
إن كلماتنا وأفكارنا ستظل عرائس من شمع حتى .. إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة "
إن الفكرة التي لم يضع صاحبها في حسبانه إستعداده للموت من أجلها وأطلقها فقط لأنه يريد أن يطلق فكرة، هي فكرة ولدت ميتة بالأساس، وهذا ما توضحه المقولة الآتية أيضاً:
"
إن كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان , أما الأفكار التي لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقد ولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا للأمام "
الفكرة التي تنبع من كونها فكرة وفقط لا تستحق أن نفكر فيها ,
والحلم الذي لا يمكن إلا أن يكون حلما وفقط لا يرقى إلى المستوى الذي يجعلنا نحلم به .
لا أريد أن أطيل أكثر من هذا ولكني أريد أن أوضح نقطتين أخيرتين
أولهما .. أن هذا الكلام ليس تشاؤما ولا يأسا من واقعنا ولم أكتبه لكي أحجر على الأفكار والأحلام ولكني أكتبه ترشيدا لتلك الأفكار والأحلام لتنطلق الى حيز التنفيذ والتطبيق علنا نستطيع معاً تغير الواقع المؤلم الذي نعيش فيه
ثانيهما .. أنني لا أعمم على الإطلاق في هذا الكلام فهناك الكثير ممن يجيد التفكير والتنفيذ معا وبإصرار يورث العجب
أتمنى ألا ينضم هذا المقال لمخزوننا التنظيري الضخم ولكني أرجو قولبته في إطار عملي
وفي الختام اسال الله ان يجعلنا ممن حسن قوله وعمله ونستعيذه جل وعلا من علم لا ينفع ..
وان يجعلنا ممن يقولون القول فيتبعون احسنه
واخيرا يبقى السؤال مفتوحاً علنا نجد اجابته معاً ونحيله الى واقع عملي نستفيد منه
كيف نرقى بأفكارنا وأحلامنا إلى واقعنا العملي ؟