أراد حكيم القصر أن يعطي الأمير الصغير ولي العهد درسا في الحياة,
فسأله: مولاي, ما هو المعدن الذي يستهويك ويستميلك من دون المعادن؟,
فأجاب الأمير الصغير بثقة: الذهب بالطبع,
فسأله مرة أخرى : و لم الذهب؟
فأجاب بثقة أكثر من سابقتها: لأنه ثمين و غال و هو المعدن الذي يليق بالملوك,
صمت الحكيم لساعته و لم يجب ثم ذهب الى الخدم و قال اصنعوا لي تمثالين بنفس الشكل و لكن أحدهما من الذهب الخاص و الآخر من الطبشور, و اطلوا الأخير بطلاء ذهبي ليبدو كأنه ذهب خالص
بعد يومين أتى الحكيم بالأمير أمام التمثالين و قد غطاهما, فنزع الغطاء عن التمثالين فانبهر الأمير لجمال صنعهما و اتقانهما,
فسأل الحكيم: ما رأي الأمير بما يرى؟.
فأجاب الأمير: انهما تمثالين رائعين من الذهب الخالص,
فقال الحكيم: دقق يا مولاي ألا ترى فرقا بينهما؟,
فقال: كلا.
فكرر الحكيم: أمتأكد يا مولاي.
فقال الأمير بغضب: قلت لك كلا لم أر, ألا تدرك أن كلام الملوك لا يعاد,
فأشار الحكيم الى خادم كان يمسك دلو ماء, فرشق الخادم الماء على التمثالين بقوة , فصعق الأمير عندما رأى تمثال الطبشور يتلاشى… ولكن تمثال الذهب كان يزداد لمعانا
فقال الحكيم: مولاي, هكذا الناس, عند الشدائد من كان معدنه من ذهب يزداد لمعانا و من كان من طبشور يتلاشى كأنه لا شيء, لا تمشي وراء أهوائك أو ما تصوره لك عيناك, لا تعرف قيمة الانسان الحقيقية الا وقت الشدة, فمن تركك وقت الشدة لا يستحق أن يكون معك وقت الرخاء, اعشق الذهب لأنه يزداد لمعانا وقت الشدة
كلنا يعرف الحكمة والقصة التي لخصتها… وكلنا يردد أن الناس معادن، ولكن أغلبنا للأسف الشديد ينخدع بزيف معدن الناس، لأن أغلبنا لا يهتم بالجوهر، ويركز جل اهتمامه على المظهر، لا أنكر أن المظهر ملفت للنظر وهو أول ما تفع عليه العين، أو تسمعه الأذن، ومن السهل أن يخدع الإنسان فيرى الصلاح والطيبة فيمن يظهرها له، ويشفق على من يشتكي له، ويبكي مع من أنزل دموعه… فعلا هي صفات الإنسان المؤمن أن يكون دائما بجنب أخيه المؤمن يسانده، ولا يسيئ به الظن.. ولكن أيضا على المؤمن أن يكون متفطنا حذرا متيقظا حتى لا يخدع ولا يضلل، فقد تقوده قدماه إلى الزلل لأنه ظن الكلس ذهبا، بمجرد أنه ابتسم له، أو مدحه…
الناس معادن، والذكي هو من يدرك قيمة هذه المعادن، لأول مرة نستخرجها من باطن الأرض لا نستطيع أن نميز حقيقتها، ولن نتمكن من ذلك ما لم ننفض ترابها… نفض التراب هو بمثابة التدقيق والتمحيص.. فليعرف كل منا كيف يميز اللمعان الحقيقي من المزيف
منقول..