كيف تعيش سعيداً؟ هل تفسر الأحداث بطريقة تشاؤمية أم تفاؤلية ؟

إن أكثر الكتب مبيعاً في العالم تشير إلى أن التفاؤل والمزاج الإيجابي أمران أساسيان للصحة العامة ، أما التشاؤم والنظرة السلبية للأحداث فقد ارتبط بسوء التوافق والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب . وفي دراسات حديثة " كارفر وجينز" على سبيل المثال توصلت إلى أن التفاؤل يرتبط ارتباطاً سلبياً بأعراض الاكتئاب وأن المرضى المكتئبين لديهم توقعات منخفضة للشفاء . ويكون متشائماً من إمكانية الشفاء من مرضه حتى ولو كان يعاني من أعراض مرضية عادية .
إن كل فرد منا يشعر دون شك في وقت من الأوقات بالعجز حين يواجه الفشل مما يشعره بالضغط النفسي . نكون إذ ذاك حزينين ويرتسم المستقبل أمامنا بألوان قاتمة ، ويبدو دفعنا لبذل أي جهد أمراً في منتهى الصعوبة ، يستعيد البعض منا توازنهم بسرعة كبيرة ، فتختفي عندهم أعراض العجز المكتسب بعد عدة ساعات دون أن تترك أثراً يذكر ، في حين يبقى آخرون عاجزين لبضع أسابيع ، وإذا كان الفشل كبيراً والصدمة أليمة فقد يستمرون في عجزهم عدة شهور أو أكثر، حتى إنهم يشعرون بالعجز في مواقف أخرى .
إن الفارق بين الناس الذين ينقضي عندهم العجز المكتسب بسرعة ، وبين أولئك الذين تستمر عندهم الأعراض أسبوعين أو أكثر هو في واقع الأمر فارق بسيط ، فهؤلاء الآخرون يتميزون بنمط تفسير تشاؤمي أي طريقة تفكير سلبية . ويؤدي إلى أن ينقلب العجز المكتسب عندهم من عجز مؤقت إلى عجز مستمر وعام .
إن الذي يمتلك طبيعة تفكير سلبية أو تشاؤمية غالباً ما يصاب بإحدى درجات الاكتئاب ، وتزداد أعراض الاكتئاب عند الشخص كلما كانت طريقة التفكير السلبية لديه عميقة وتعرض لعدة مواقف فشل وخاصة الأليمة منها .

طريقة تفكير تشاؤمية + مواقف فشل = أعراض اكتئاب

إن من سمات المكتئبون أنهم يجترون أفكارهم السلبية باستمرار من مثل " هذا ذنبي " " لن يتغير الحال أبداً " " كل ما أحاول عمله سيفشل بنفس الطريقة " إنه دائم التفكير بينه وبين نفسه بأن الأمور في منتهى السوء .
وكلما كنت ميالاً لاجترار أفكارك ازداد تجسيدك لها كواقع. إن الاستغراق في التفكير بنفس الأفكار طول الوقت حول سوء أمورك هو بداية هذه الحلقة المفرغة . إن الأشخاص الذين يجتنبون اجترار الأفكار غالباً ما تكون أعراض الاكتئاب بسيطة ، حتى وإن كانوا تشاؤميين .
إن آلية اجترار الأفكار السلبية يمكن أن يفسر ظاهرة انتشار الاكتئاب بين النساء بشكل كبير ، لأن أسلوب التفكير في المشكلات المنتشرة بين معظمهن يزيد احتمال تعرضهن للاكتئاب . إنهن يتأملن اكتئابهن ويفكرن به دون انقطاع محاولات تحليله وتحديد أسبابه .
ليس في صدد هذا الموضوع التكلم عن الاكتئاب وعوامله وأسبابه . ولكن نؤكد أن التشاؤم هو ليس السبب الوحيد للاكتئاب ولكن الرئيسي في ذلك .. إن هذه النتائج توحي بالفعل أن أفضل " وصفة " للإصابة بالاكتئاب هي
طريقة تفكير تشاؤمية + مواقف فشل + اجترار للأفكار السلبية = أعراض اكتئاب
كما وجدت ارتباطات إيجابية دالة بين كل من التشاؤم والاكتئاب واليأس والقلق والوسواس القهري ، وكذلك بين التشاؤم وقلق الموت ، وبين التشاؤم والقلق، وبين التشاؤم وكل من عدد ساعات النوم في النهار وعدد مرات الاستيقاظ في الليل ، وبين التشاؤم والشخصية الفصامية ، وبين التشاؤم والأعراض الجسمية ، وبين التشاؤم والعصابية ، وبين التشاؤم ومصدر الضبط الخارجي .
ومن ناحية أخرى وجدت ارتباطات سلبية بين التشاؤم والاكتئاب والتشاؤم والصحة ، وبين التشاؤم وكل من الصحة النفسية والشعور بالسعادة ، وبين التشاؤم والتقدير الذاتي للتدين ، وبين التشاؤم والدافعية للإنجاز ، وبين التشاؤم والانبساط ، وبين التشاؤم وكل من الدراية بالعمل وجودته ومعدل الإنتاج والانضباط وحصافة الرأي والتوجيه والأداء بشكل عام والمبادرة والتعاون والقدرة على التخطيط ، كما لم تسفر نتائج بعض الدراسات عن وجود فرق جوهري بين الجنسين.
-منقول -

وأحب أن أعلّق وأضيف:

على الإنسان أن ينظر إلى ما يمر به من مصاعب وآلام أنها مجرد خبرات يتعرض لها ليبني شخصيته ، لكن عليه أن يهتم كيف يبني شخصيته ..
فالنفس يجب أن ألومها على الأخطاء لكن ليس لكي أصل للتشاؤم والاحباط من عدم صلاحي للأعمال بل حتى لاتعيد الكرة فتقع في الأخطاء ذاتها...
فليس النقصود بالنفس اللوامة أي جلدها حتى تصاب بالاحباط ..بل فقط لتعرف حقاً أصل المشكلة وجوهرها وبالتالي لتصل لحلها من جذورها الصحيحة.
فعلى المرء أن ينظر للمشكلات والآلام على أنها تضيف لبنيته صلابة وقوة ومنعة .. فهي بلا شك ستجعله ألماساً إن أحسن التعامل معها ونظر إليها بشكلها الصحيح واعتبر منها.
أما إذا نظر إليها بشكل تشاؤمي فإنها ستقوّض شخصيتها وتكوّن شخصية ضعيفة، هشة، لانفع منها ولافائدة .. لا لأنه لا يصلح .. بل لأنه تعامل معها بشكل سلبي.

وأخيراً صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تفاءلوا بالخير تجدوه) و الحديث القدسي: ( أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ماشاء)

إنها قوة خارقة يضعها الله عزوجل بين أيدينا لنقود ذاتنا نحو الخير والنفع للعباد والبلاد..

وفقكم الله ورعاكم.