السكون والاستقرار ...
بقلم : منير الشواف
من موقع سيريا نيوز
في علم الفيزياء , الساكن نقيض المتحرك , والسكون هو فعل , إلا أنه فعل سلبي , لأن اللافعل هو فعل , سواء في علوم المواد أو علوم الاجتماع . إذن السكون فعل , والانتقال من السكون إلى الحركة هو فعل أيضاً
كان لابد من هذه المقدمة في فعل السكون والحركة , لأن بموجبها يتحدد نتائج وضع السكون ووضع الحركة حيث بناء على صحة الانتقال من وضع السكون إلى وضع الحركة , يتقرر صحة مستقبل المجتمعات ومستقبل الحياة وبالتالي مستقبل الدول ووصولها إلى الاستقرار .
في اللغة السكون عدم الحركة , ولذلك عبر العرب عن السكون بالموت , لأن من علامات الكبرى للموت عدم الحركة أي السكون , ولذلك قالت والدة يحيى البرمكي للخليفة هارون الرشيد , بعد أن نكب البرامكة نكبتها الكبرى , (أسكن الله عينك يا أمير المؤمنين ) ففهم أنها تدعو عليه بالموت ولا تدعوا له بالاستقرار , فكان حالها حال الأعرابي الذي أخبرته زوجته بسكون ولده المريض ففهم أنه إنتقل إلى الآخره .
ولذلك يقال في اللغة سكنت الماء وماء ساكنه , عند الركود و انعدام الحركة الذي يحًول الماء الجارية إلى مياه آسنة , تتوفر فيها البيئة المثالية لنمو الطفيليات والفطريات والجراثيم , بسبب انعدام التهوية الناتج عن انعدام الحركة , وبطول مرحلة السكون تتولد الطحالب والمتسلقات والمتجذرات , لأن طول فترة الركود الناتجة عن السكون خلًفت مستنقعات تجري فيها التفاعلات المكبوتة والمخنوقة , التي تؤدي إلى إطلاق الروائح الكريهة والقاتلة والسامة , وكذلك حال الركود والسكون في المجتمعات ..
قال في مختار الصحاح القرار , هو المستقر من الأرض , والقرار في المكان ( الاستقرار ) فيه , هذا هو الاستقرار في أصل الحقيقة اللغوية , أما الاستقرار في المجاز فيعني انتقال شعب من حال ضياع للحقوق توًلد عنه فوضى واضطرابات بسبب استبداد الحكام بالقرار, كما يقول المثل العربي ( دخول حابل بنابل ) , فأدت هذه الفوضى إلى حالة تواطؤ على دستور برضا الأكثرية الشعبية , التي قبلت بقيادة النخبة السياسية والعسكرية المدعومة بأهل الفعاليات الاقتصادية , وهذا ما أسماه المفكرون حال الاستقرار للشعوب والدول , حيث تبرز المتفارقات والمتعارضات والمتباينات في مصطلحي السكون والاستقرار .
هذا ما حدث بعد الاضطرابات والقلاقل وحتى المجازر في الولايات المتحدة و الدول الأوربية واليابان منذ عهد ( الماجناكرتا ) , فيما سمي إرهاصات عصر النهضة , حتى وصل الجميع إلى حالة الاستقرار على الدستور , حيث أفرزت هذه الفوضى ( المنظمه) الديمقراطيات الغربية , التي نقلت شعوب الغرب من عبيد للاقطاع إلى عبيد محترمين مكرمين للرأسماليين , بحقوق دستوريه وبدل رسمية وحريات موجهه وتحت السيطرة ومحفزات للاستمرار بالحياة , وإشباع للحد الأقصى للغرائز والشهوات والرغبات , أي انتقلت الشعوب الغربية من ركود خامل إلى استقرار متحرك مكنها من تسلق طريق النهضة , حيث أصبح المواطن صورياً حراً في اختيار حكامه , لكن الحريه الحقيقيه هي أن تفعل ما تريد مختاراً , لا أن تفعل ما يرُاد لك مختاراً بموجب مؤثرات خلقها النظام الرأسمالي فدار بموجبها الناس حكاماً ومحكومين , إنه نظام رهيب .
قدمت بما سبق لأن كافة المراقبين السياسيين الدوليين يتوقعون انتقال شعوب المنطقة من حال السكون إلى حال الحراك وصولاً للاستقرار . حيث استمر حال السكون الحقيقي منذ نجاح الفرنسيين والانجليز في تأطير المنطقة من خلال معاهدة ( سايكس- بيكو ) هذه المعاهدة التي قسمت شعباً واحداً إلى أشلاء ووهبت فلسطين لليهود من خلال تقسيمات ظالمه أقرتها عصبة الأمم ومن ثم الأمم المتحدة .
ويبدو أن المنطقة الآن على أبواب تثوير من خلال عوامل خارجية وداخليه , تحت ظروف خيارات قصريه لأنهاء خريطة (سايكس بيكو) التي عفى عليها الزمن وتجاوزها التاريخ والجغرافيا والمستجدات المحلية و الأقليمية والدولية , حيث أوضحت الولايات المتحدة سياستها للمنطقة وهي الوصول إلى الديمقراطية بأسلوب (الفوضى الخلاقة ) منذ عهد بوش الثاني على لسان وزيرة الخارجية ( كوندوليزا رايس ) ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وبوش نفسه , والرئيس أوباما يكمل المهمة بعد إنضاج الظروف المحلية والدولية , وهي بناء شرق أوسط واسع (كبير) , ويضم شرق أوسط سايكس بيكو رأسمالي ديمقراطي بنكهه إسلاميه , مضافاً إليه هلال (بريجنسكي ) للعالم الإسلامي , الذي رسمه في كتابه ( الاختيار – ولعبة الشطرنج الكبرى ) , وبين الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه الرئيس الاسرائيلي ( بيريز) في كتابه شرق أوسط جديد ..
يؤسس على اعتراف متبادل بين الدول العربية وإسرائيل , مقابل انسحاب إسرائيلي بشروط مذله لا يستطيع قبولها الحكام والمحكومين , وبين الاتحاد من أجل المتوسط الذي طرحه الرئيس الفرنسي ( ساركوزي) وهو قريب ويكاد يتطابق مع شرق أوسط ( بيريز ) الجديد , إضافة إلى محفزات اقتصاديه برعاية أوروبية , إذن الصراع أو التفاهمات بين الشرق الأوسط الواسع ( الأمريكي) والشرق الأوسط الجديد الأوربي الاسرائيلي .
إن مبدأ العطالة في علم ( الميكانيكا) يعني الانتقال من سكون إلى حركه بقوة دفع , حيث التسارع الحركي يبدأ بأقصى ما يمكن , ثم تأثراً بمبدأ العطالة يصل الجسم المقذوف إلى الوقوف ومن ثم إلى مرحلة الاستقرار.
إن أفة المخاطر الآن , أن يصل هذا التثوير في المنطقة إلى مرحلة استقرار خلبًي , يمثل صوره عن السكون الذي كانت تعيشه الأمة لفترة طويلة , و تظن نفسها بحالة نهضة ولكنها في الحقيقة بحالة ركود جديد أخطر من الركود السابق , لأنه حاز على رضا الشعوب ولم يبنى على فكر أساسي يؤسس للنهوض.
والمأمول أن يكون العكس , أي حالة وعي ثوري فكري , ينقل التثوير إلى ثوره تنهي مخططات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي , وتحول الفوضى (الخًلاقة ) الهدامة بديمقراطيتها المكذوبة التي هي مطلوب أمريكي وعدم ممانعة أوربيه , إلى نظام مبدع يجعل حكام وشعوب المنطقة على قلب رجل واحد و بفكر واحد , يعيد للأمة العز والسؤدد الذي تخشاه الدول الكبرى , والذي ينهي عبثها في هذه المنطقة التي على أبواب أن تسود العالم وتكون خير أمه أخرجت للناس