مغوقات التفكير السليم

يعترض سبيلَنا في الحياة خطأٌ في التفكير ، أو فشل في حلّ المشكلة ، أو اضطراب في النظر إلى مسألة من المسائل ، أو يسيطر علينا هيجانٌ شديد ، أو تفكير عاطفيّ أو انفعاليّ أو عصبيّ ، أو يتحكّم في سلوكنا مزاج معيّن ، وهي أخطاءٌ يعيشها الفرد منّا، وقد تكون أموراً إنسانية عامة ، وهي ليست من الجرائم أو الجُنَح، لكنها تَحيد بنا عن مستوى التفكير الناضج والمتطوّر .. وقد تجعلنا نتخذ قرارات خاطئة تؤثر على مستقبلنا بشكل كبير
و لكي نتكيّف مع الحياة السوية علينا أن نتجنّب الأخطاء قدر المستطاع؛ لنعيش في توازنٍ تام مع أنفسنا ومع الآخرين ، وبذلك نضمن استمرارية الحياة حسب موازين العقل ، وحسن الرشاد .
و من أمثلة العوائق التي تعترض التفكير ؛


ـ 1 ـ التفكير المُتَمَحْوِر حول الذات Egocentric :

هو الاتجاه الذي يدفع الإنسان إلى إرجاع كل الأمور في الحياة إلى ذاته ، وإلى رغباته وقيمه ، واعتقاداته ؛ أي يفسّر كل ما حوله انطلاقاً من أنانيته الخاصة ، ورغباته الشخصية ، ومن وجهة نظره و مصلحته الخاصة
ويعدّ هذا الموقف مُعيقاً للتفكير ؛ لأن صاحبه لا يُراعي الموضوعية ولا الحياد ، أو إعادة النظر في طريقة تفكيره في التجربة التي عاشها ، أو المشكلة التي واجهها .

ـ 2 ـ الأحكام المُسبقة Prejudgment :

هو رأي أو حكم أو اعتقاد ، أو وجهة نظر تتشكّل دون معرفة الأسباب المنطقية أو العلمية لها ، وتتناقض مع الحجة المنطقية
والواقع أن قليلاً منا من يُعلن عن آرائه التي تعبّر عن أحكامٍ مُسبقة ، وهذه الأحكام يقع فريستها أي فرد أو مجتمع .
فمثلاً يعتقد شخصٌ أن الأفريقيين مرحون ، مُحبّون للدعة والكسل ، ومبدعون في الموسيقى .. فإذا ما أحضرنا له طبيباً أفريقياً نشيطاً .. قال لا .. كل الأفارقة كسالى ولا يبدعون إلاّ في الموسيقى !
فهذا حكم غير مبنيّ على معرفة دقيقة ولا واقعية

ـ 3 ـ الانطباع الخاطئ False Impression :

تصلنا أحياناً معلومات خطأ ، ونذهب انطلاقاً منها إلى إعطاء آراء وأحكام قاطعة وحاسمة ، ولا نتراجع ! ، ونتبنّاها دون أن ننظر فيها بدقّة لنعرف مصدرها ومدى صدقها ، ومطابقتها للواقع العلميّ الموضوعيّ .
من أمثلة ذلك أن يرى شخصٌ شخصاً آخر فيقول : كرهته ! سبحان الله لا أدري لماذا لكني أكرهه من أول نظرة ! .. فيحاول الآخرون إقناعه : فقط اجلس معه ستجده محبوباً وطيباً جداً ، لكنه لا يتراجع لأن انطباعه الخاطئ الذي تكوّن لديه من أول مرة لا يفارقه !، وهو لا يحاول التخلّي عنه أو التأكّد من سببه .

ـ 4 ـ الموقف المتطرّف Extreme :

هو الجمود الفكريّ والانغلاق العقلي، ويتّسم بعدم القدرة على تقبّل أي معتقد آخر يخالفه أو على تفهّمه أو التسامح معه ، ويتّصف صاحب الموقف المتطرّف بالنظر إلى موقفه على أنه مُطلق وصالح للجميع، ولا مجال مناقشته ، بل يذهب إلى إدانة كل من يخالفه الرأي أو العقيدة ، وهو مستعدّ لاستخدام العنف والقوة لإقحام الآخرين على قبول ما يراه ، و وضع حدّ لمن يخالفه .
ويعبّر عن هذا الموقف قول الشاعر الجاهليّ عمرو بن كلثوم في معلّقته قائلاً :



ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ...... فنجهل فوق جهل الجاهلينا !





ـ 5 ـ عدم المرونة أو الموقف المتصلّب Rigid Thinking :

في الحياة والمواقف الإنسانية .. نحن مضطرّون إلى إعادة النظر في مواقفنا المتصلّبة ، والتي يتجاوزها الزمن والعصر ؛ فالأب الذي يرفض تعليم ابنته لأن التعليم مفسدة ! .. ويتجمّد عند هذه الفكرة دون مراعاة تغيّر الأفكار وتقدّم الحياة .. هو من قبيل التفكير المتصلّب
وهذا هو سبب ما يُسمّى بالـ( هوة الثقافية ) أو ( صراع الأجيال ) ؛ حيث يقف الوالدان عند أفكارهم القديمة المتحجّرة .. بينما يملك الأبناء أفكاراً أخرى
وهنا ينصح للأبناء بأن لا يُجابهوا الأبوين بقوة .. فإن ذلك يؤدي إلى نتيجة عكسية، بل يحاولوا قدر المستطاع استخدام اللين .

ـ 6 ـ عدم التمييز بين الرأي والحقيقة Fact & Opinion :

الحقيقة : عبارة عن اعتقاد تجمّعت فيه أدلة قوية و حجج عقلية مقنعة أجمع على صحّتها علماء وباحثون ، بحيث تجعل ثقتنا في صحّتها كبيرة ، وترتبط الحقائق بالصدق العلمي والمنطقي، وتُبنى على خبرات عدد كبير من العارفين والخبراء في الموضوع .
والحقيقة كذلك يمكن البرهنة على صحّتها أو خطئها ؛ كقولنا : إن الجو حارٌ جداً ، وقد وصلت درجة الحرارة إلى 45ْ مئوية في الظلّ
فهذه حقيقة خاضعة لمقياس ميزان الحرارة ، وهي لا تعبّر عن اعتقاد أو رأي شخصي، وكذلك الأمر في الحقائق الرياضية والفيزيائية والكيميائية .

أما الرأيّ : فهو اعتقادٌ شخصي ، و وجهة نظر فردية ، أو قولٌ يعبّر عن فئة أو جماعة من الناس ، وغالباً ما يتعلق الرأي بالقيم الجمالية و الأذواق الخاصة والأمور الإنسانية ؛ كالرأي في قصيدة شعرية أو أعمال فنية ، والعاطفة والمشاعر الشخصية .
وهذه كلها تعبير عن آرائنا المتعلّقة بالتقييم الشخصي للأمور .. وهي خاضعة للمناقشة ؛ كقولنا : إنه أمر في غاية الجمال ، هذه قصة خرافية جميلة ، أما أميل إلى كذا … وهكذا
لذا .. يتوجّب علينا التمييز بين ما هو حقيقة .. وما هو رأي