كلمات طالب حصّل على المحموع التام في البكالوريا موجهة لطلاب البكالوريا خاصة و الطلاب عامة

من الصعب أن يصف الإنسان ما يختلج في نفسه من فرح وسرور بالوصول إلى المراد، بعد عظيم الصبر وطول التعب... ولكن الأصعب، أيها السادة، هو أن يعبر ذلك الإنسان عن شكره وامتنانه لمن كان له فضل في ذلك الوصول، وذلك النجاح.
وليس لطالب، وقف موقفي هذا، إلا أن يشعر بتلك الصعوبة وهو يلقي كلمة نيابة عن جمع من زملائه، تفوقوا وحققوا الدرجات العليا، بعد تعب وجدّ. فالفضل أولاً يعود للبارئ عز وجل، الذي أوجد لكل منا كيانه البشري المكتمل، وأودع فيه ما شاء أن يودعه من خصال الجد والمثابرة والصبر، وأذن لنا أن نقتبس من نور علمه ما شاء لنا أن نقتبس. ثم يأتي فضل أهالينا الذين عاضدونا طوال طريق الرحلة وساندونا بكل ما أوتوا من قوة وقدرة، وتحمَّلوا كل أخطائنا وهفواتنا وزلاتنا. وفضل أساتذتنا ومعلمينا الذين نذروا نفوسهم لتكون الدليل والمرشد لنا طوال الطريق، فصبروا على عجالتنا وطيشنا، وقدّموا لنا من معين نصحهم وإرشادهم ما أعاننا على مشقة الطريق ووعورته.
وإن هذه المرتبة التي شُرّفنا بالوصول إليها، لتلحُّ على وجدان كل منا وتذكّره بعظيم المسؤولية الملقاة على عاتق كل منا، نحن الطلاب الذين أكرمنا الله بهذا التفوق. وأول تلك المسؤوليات هو عدم الركون إلى ما حققنا من نجاح في عامنا هذا، بل يجب أن تتطلع نفس كل واحد منا إلى أن يحقق النجاح في دورة اكتساب المعرفة كاملة، والتي تشمل ثلاث درجات: فالدرجة الأولى هي درجة الحصول على المعرفة واستيعابها وهي درجة يخوض فيها طالب العلم كما يخوض البحار المستكشف في عرض المحيط، لا يحط في جزيرة ولا أرض إلا وطمحت نفسه إلى مزيد من الإبحار والاستكشاف، أما الدرجة الثانية فهي توظيف هذه المعرفة المكتسبة في تغيير وتحسين المجتمع الذي نعيش فيه، وعلى كل منا أن يحذر من أن يقبل على العلم حتى يتكسّب منه، بل عليه أن يطلب العلم حتى ينفع به الآخرين. أما الدرجة الثالثة، وهي الأعلى، فهي إنتاج معرفة جديدة يتلقفها الآخرون وينتفعون ويستفيدون منها، ومن المؤسف أن الكثير من الناس تعزف عن هذه الدرجة وترضى بالأقل والأدنى.
أمر آخر لا بد من أن نركز عليه...
إنه إدراك مسؤوليتنا تجاه الأمة التي ننتمي إليها، خاصةً في الظروف الصعبة التي لا تمر بها هي فحسب، بل تمر بها البشرية بأكملها. علينا أن نعمل على استكمال بناء كيان الأمة واستقلالها في شتى المجالات، ولاسيما في المجال الفكري والمجالين العلمي والتقاني. ليس الهدف مجرّد اللحاق بركب الأمم المتداعية، والتهافت عليه، ولا مجرّد تقديم مزيد من الإبداعات والاختراعات المادية الجديدة، فالعالم لديه ما يكفيه منها الآن. إنما هو بحاجة إلى قيادة جديدة تستطيع أن تأخذ بيد البشرية لتحقيق غاية وجود هذا الكائن البشري نحو المنهج الحياة الصحيح، الذي يحقق التناغم في حركته مع حركة جميع الموجودات والمخلوقات في هذا الكون الذي خلقه الله. إنه الدور الذي قامت به أمتنا أول مرة يوم وضع العرب أسس الحضارة الإسلامية التي كان مجيئها إلى هذا العالم كانبلاج الفجر بعد ليل طويل. والبشرية اليوم تنتظر من يقوم بهذا الدور من جديد، والذي نستطيع أن نقدمه نحن إن أقبلنا بإرادة صادقة وعقل واع وذهن مستنير.