أميرة.........................

أميرة..طفلة مازالت تولد..مازالت تولد في مدينة لم تختر أن تولد فيها..
ولدت ناقصة الوطن..وناقصة الحرية..وناقصة الطفولة.....وناقصة الحياة!
لم تتعلم بعد فن البكاء..و لم تلفظ بعد أي حرف من فلسطينها! فهي لم تولد نبياً...بل ولدت كباقي الأطفال...وكانت تريد أن تعيش الحياة....أن تعيشها بكاملها..
كانت تريد ان تكبر رويدا رويدا..أن تلعب في الحارة لعبة "الحجلة" ..أن تذهب الى المدرسة كباقي الاطفال..ولكن باقي الاطفال في هذه المدينة ليسوا هكذا!!
الاطفال هناك يولدون وليس لهم غد أكيد!!
أرادت أميرة أن تهبها الحياة مزيدا من الايام لا لشيء....إلا لترى وجه امها اكثر..لتتعرف على ثديي امها..
لتعلق حلقا في اذنيها..أمها كانت تنوي أخذها لتثقب لها اذنيها في نفس اليوم الذي ثقبوا فيه رأسها!!
أرادت الصغيرة بعض الوقت...لتتهجى "ماما"..لتحبو.....لتمشي.....لتسأل عن معاني الكلمات:
ماذا تعني " حياة"؟!
ماذا يعني "وطن"؟!
ماذا تعني " حرية"؟!
ماذا تعني "شهادة"؟!لقد اختبرت هذه الكلمة قبل ان تعرف معناها..بل قبل ان تنطقها..بل قبل ان تسمعها!!
كان بوسع قاتلها أن يفتشها قبل ان يقتلها!!..لا حجارة في مريولها...لا أفكار بالتمرد في رأسها ..فرأسها ما زال اصغر من ان يفكر بشيء ابعد من حليب امها!!كل ما كان سيجده هو تعويذة وخرزة زرقاء وضعتها لها جدتها منذ أيام!
كان بوسعه ان لا يقتلها ..علنا نصدق انه على قيد البشر!!
تقول أميرة لقاتلها: انتبه!!
لا تطلق النار...انتظر لحظة..فأنا اجمع البسملات عن كف امي...تمهل قليلا..فأنا أرضع الحليب الآن!!
أجل إطلاق الرصاص قليلا..أرجوك..أريد أن أودع ماما
ألا يخجل الرصاص من ضحكة الأطفال...هي لم تتعلم الضحك بعد!!
عندما سافرت اميرة..لم تودع امهاو لم تطلب اكثر من وقت اضافي لتودع الانسان الوحيد الذي عرفته خلال عمرها القصير!!
الاطفال في عمر اميرة جزء من الام ..وحدة لا يفرقها الا الموت...و لم تتوقع اميرة و لا والدتها ان يكون الموت قريبا الى هذا الحد!
تخاطب اميرة والدتها:لا تصرخي يا امي..اسكتي فالصمت نصف المعجزة!!
لا تنظري الي يا امي و انا الم اشلائي ..و لا تحزني ..لن ابتعد كثيرا...فأنا مسافرة الى السماء...والسماء قريبة يا امي!!
ما أحببت أرضكم..هذا التراب يخنق روحي...و يغلق أنين الفضاء على يدي!!
سأعرف الآن أين تختبئ السماء و اين ينام لونها الازرق..و كيف تبعث الغسق للضالين و تلملم من البيوت اسرارها!

أميرة حزينة .وعاتبة على الحياة..فقط لأن الحياة لم تمنحها الوقت الكافي لتقول لأمها كم أحبتها..وكم أحبت حليبها الذي لم ترتوي منه بعد!
لم تمنحها وقتاً لتشاكس ما يجعلها أحد اسماء الموت في عصر القتل الذي يمنح القتلى قسطاً من الحياة...لا لشيء..الا لينجبوا قتلى!!
لم تمنحها وقتاً لتمتلك دفترا تدون فيه مذكراتها و أحلامها و خيباتها!
لم تنتبه أميرة الى دفتر أخيها الملقى بالقرب منها لتكتب فيه مذكرات طفولتها..فليس لها بعد طفولة ولا ذكريات تستحق التدوين..ربما الحدث الأبرز الذي يستحق التدوين هو ولادتها قبل 20 يوما!! أي في الرابع عشر من شباط المصادف عيد الحب!!..حب؟!تسأل أميرة عن معنى هذه الكلمة!!
أميرة ولدت في عيد الحب لكن الحياة لم تمنحها من الحب شيئا...أو ربما منحتها الكثير منه!!
يا لهول ما رأينا..و يا لهول ما سنرى إن بقينا هكذا..إن لم يبزغ الفجر من دم أميرة الصغيرة..إن انحنت الذاكرة للشظايا.
كيف سنرتق خوف العصافير؟! و كيف نحمي هؤلاء الأطفال المباحين_كما هي كرامتنا_لرصاص سافكي الدماء؟!!

Mad

موضوع رائع شكرا لكِ راما
Crying or Very sad

موضوع رائع ومؤثر راما شكرا لك والحقيقة ان هذا هو واقعنا فالقتل لا يعرف طفلا ولا رضيعا ولا ام ولا اب ولا أجداد وهذا ما يحصل في قدسنا الحبيب فأتمنى أن يكون الجيل القادم قادر على تحرير أرضنا وقادر على إعادة البسمة للأطفال الصغار
شكرا راما على هذه المواضيع