تجربة في القصص القصيرة جداً

الكهرباء

فتح الشاب باب البيت ودخل بحماس وعجلة، فهو مشتاق لرؤية أهله
كان البيت فارغاً والأنوار مطفأة.....لم يكن ما توقع
لقد ظن أن الكهرباء مقطوعة
فبدأ يركض في البيت...يرمي الوسادات هنا ويرمي ثيابه هناك
شعر بالغضب يشتعل في ذاته لكنّه لم يفكّر في أن يشعل المكيّف أو المروحة
لقد ظنّ أنّ الكهرباء ......مقطوعة


فارغون

كان جالساً في الحديقة، يلف إحدى ساقيه على الأخرى
يداه مكتوفتان وراء رأسه....صامت اللسان، صامت الفكر
لا يفكر في شيء
وآخر يتمشى جيئةً وذهاباً ...يحرك قدميه فقط..
كانت قريباً منهما القطة .....مسترخيةً هي الأخرى
والعصفور على الشجرة يتلفت يمنةً ويسرة ..ثم يمنةً ويسرة...
والذبابة تطير إلى فوق وأعلى والأسفل وتطير وتطير ...
تحرك جناحيها فقط...
ومن بعيد كانت مجموعة من الصبية يلعبون سوياً
وكانت المفاجأة وألقى أحدهم ......."فتيشة"
فزعت القطة وركضت.....
وطار العصفور فزعاً.....
وراحت الذبابة بعيداً ......
لكن الرجل بقي جالساً ....والآخر بقية يتمشى جيئةً وذهاباً
جيئةً وذهاباً

الشمعدان

على عرشها الفضي المرصع بالجواهر
يشتعل شعرها البرتقالي
ويتدانى جسدها الطويل وهو يذوي يحاول أن يلمس المكان الذي انغرست فيه قدماها
الشريان الوحيد الذي في داخلها يحترق ويحترق حتى يتلاشى ..
بهذا الفتيل اشتعلت صديقتها وصديقتها الأخرى
وينتثر النور
وتفنى حيث ولدت
وتأتي مكانها شمعةٌ أخرى
فتفنى وتلحق بها أخرى
لقد تعلموا جميعاً....أن من عظيم السخرية
وأنّهن سيكنّ جدّ صاغرات
لو ذبن ليبرز جمال الشمعدان
وأنّ من عظيم السمو.......
أن يذبن لينرن المكان

شيءٌ ما {1}

كان يقف يغسل الصحون بعد الغداء بملل كبير
كل يوم هناك غداء.....كل يوم يقف ويغسل الصحون
كل يوم وجهه مقابل "المجلى" بعد الغداء
يضع الصحن فوق الآخر والملل يقتله
يداه بالكاد تتحركان
إن عقله في مكان آخر
يفكّر في مستقبله، يفكّر في أحلامه، يفكّر في أيام يحب أن يعيشها
ويفكّر أنّه بحاجة لكثير من السعي حتى يطال تلك الأيام
فيتذكّر أنّه لا يملك سوى عمراً واحداً
ثم أنه لا يملك إلا شباباً واحداً
ثم يتذكّر أنّه لا يعرف مستقبله، ولا يحبّ ماضيه
ولكنّه لا يملك إلا هذه الثواني التي يغسل بها الصحون
ونظر من النّافذة فرأى الشمس مشرقة والسماء صافية والناس يتحركون
وينظر إلى ساعة الحائط فيرى العقارب تتراكض
فيقفز شيء ما يدغدغ صدره
تتسع حدقتاه،
تهرع يداه،
في سرعة عجيبة...يحاول أن ينهي عمله، ثم يجري ويجري....

شيءٌ ما {2}

"الله يعوض عليك"....."الله يجبر بخاطرك" ...."الله يحفظلك أولادك"
هكذا كان يرد على من يعطيه قطعة نقود كانت قد علقت في جيبه بعد أن أفرغه من النقود المتراكمة
فيمسكها وهو شاكر لله ولهذا الرجل أو هذه المرأة أو حتى الطفل الذي مرّ به ذات يوم
وفي يوم من أيام الشتاء شعر بملل كبير
فوجد إعلاناً عن فندق فخم مرمىً على الأرض
فتناوله وراح يتأمل الصور
هنا فرش مريح، وهنا مغطس كبير للاستحمام بجدران ذهبية اللون
وهناك أيضاً سورة لسرير كبير جداً بلون أحمر شاعري
والستائر مغلقة تشعر بالدفء والسكون
ومدفأة كبيرة بجانب النافذة ،
قفز شيءٌ ما
حرّكه إلى المسجد
لقد أراد أكثر من ذلك الذي في الملصق
شيءٌ ما

شيءٌ ما {3}

على الأم المسكينة أن تقوم كل يوم في وقت القيلولة لتعد طعام الغداء
وكانت تريد اليوم أن تشوي لحماً وتقدم إلى جانبه طبقاً من البطاطا المقلية
وقفت قرب الفرن وصبت الزيت في المقلاة ثم أشعلت تحتها النار
كان الأذان يملأ المنزل لأن المسجد قريب
كانت كل يوم تسمع الأذان في هذا الوقت وتكمل إعداد الغداء
وظلت ترقب البطاطا......وصوت "ششششششش"
يصدر منها
كان صوتاً مخيفاً .........لكنه لم يكن يخيفها في العادة
أما اليوم فقد ارتعدت أوصالها ورجفت يداها
كانت تتخيل البطاطا وكأنها تصرخ
ثم تخيلت أنها حبة بطاطا
شيء ما جعلها تطفئ النار
وتمضي للصلاة........