غب ياهلال

أيامٌ قليلة ويهلُّ هلالكَ يا عيدُ لترسُمَ الابتسامة على شفاه أطفالٍ ينتظرونكَ بشغفٍ بملابسهم وأحذيتهم الجديدة الممزوجة بألوان الربيع والنابضة بأحلامهم الورديّة
ينتظرونكَ والفرحة تكادُ لا تسعهم من فرط سرورهم ...

ينتظرونكَ بكعكٍ لذيذٍ من صنع أمهاتهم ...

ينتظرونكَ بهدايا أبائهم ...

ولكن...

هناكَ أطفالٌ لم يبقَ لهم من العيد سوى اسمه ...

فتلكَ اشترتْ حذاءً ولكن لم يَعُد لها قدمين ...
و ذاك اشترى له أبوه بندقية ولكن لم يَعُد له يدين ...
وتلكَ كانت تحلم بكعك أمها ولكن رحلتْ أمها مع الراحلين ..
.
و ذاك ما زال ينتظر هدية أبيه الذي مات أمام عينيه ...
وتلكَ ذهبَتْ لصديقتها لِتُريها فستانها الجديد فلم تجدْ البيت ومَنْ فيه ...


تلك ... و ذاك

أطفالٌ لم يبقَ لهم من الطفولة سوى اسمها

اغتيلت برائتهم بأبشع ما يمكن للعقل تصوُّره
و ما عادوا يعرفون رائحة الورود فالأرض ملأى بالبارود


تلكَ ... وذاك

حين سمعوا أن العيد قد اقتربْ وبمجيئه يفرَحُ كلُّ أطفال المسلمين ...

رفعوا الأيادي وتوسلوا للهلال أن يغيبْ ...

وطفلةٌ من بين الركام أنشدتْ بصوتها الحزين:


غِبْ يا هلالْ*
إنِّي أخافُ عليك من قهرِ الرِّجالْ
قِفْ من وراء الغيمِ
لا تنشر ضياءَك فوْق أعناق التِّلالْ
غِبْ يا هلالْ
إني لأخشى أنْ يُصيبَكَ
- حين تلمحنا - الخَبَالْ
أنا – يا هلالْ
أنا طفلةٌ عربيةٌ فارقتُ أسْرتنَا الكريمَةْ
لي قصةٌ
دمويَّةُ الأحداثِ باكيةٌ أليمة
أنا – يا هلالْ
أنا مِن ضَحايا الاحتلالْ
أنا مَنْ وُلِدْتُ
وفي فمِي ثَدْيُ الهزيمَهْ
شاهدتُ يوماً عنْدَ منزِلِنا كتيبَهْ
في يومِها
كانَ الظلامُ مكدَّساً
مِنْ حول قريتنا الحبيبةْ
في يومِها
ساقَ الجنودُ أبي
وفي عيْنيه أنهارٌ حبيسَهْ
وتَجَمَّعَتْ تِلْك الذِئَابُ الغُبْرُ
فْي طلبِ الفريسَهْ
ورأيتُ جندِّياً يحاصر جسم والدتي
بنظرته المُريبَهْ
مازلتُ أسْمع – يا هلال –
ما زلتُ أسمعْ صوتَ أمِّي
وهي تسْتجدي العروبَهْ
ما زلتُ أبصر نصل خنجرها الكريمْ
صانتْ به الشرَفَ العظيمْ
مسكينةٌ أمِّي
فقد ماتتْ
وما عَلِمتْ بموْتتها العروبَهْ
إنِّي لأَعجب يا هلالْ
يترنَّح المذياعُ من طربٍ
ويَنْتعِشُ القدحْ
وتهيج موسيقى المَرحْ
والمطربون يردِّدون على مسامعنا
ترانيم الفرَحْ
وبرامج التلفاز تعرضُ لوحةً للْتهنئَهْ
( عيدٌ سعيدٌ يا صغارْ )
والطفلُ في لبنانَ يجهل مـنْشَأهْ
وبراعم الأقصى عرايا جائعونْ
والّلاجئونَ
يصارعوْن الأوْبئَهْ
غِبْ يا هلالْ
قالوْا :
ستجلبُ نحوَنا العيدَ السعيدْ
عيدٌ سعيدٌ ؟؟!
والأرضُ ما زالتْ مبلَّلَةََ الثَّرى
بدمِ الشَّهيدْ
عيدٌ سعيدٌ في قصور المترفينْ
هرمتْ خُطانا يا هلالْ
ومدى السعادةِ لم يزلْ عنّا بعيدْ
غِبْ يا هلالْ
لا تأتِ بالعيد السعيدِ
مع الأَنينْ
أنا لا أريد العيد مقطوعَ الوتينْ
أتظنُ أنَّ العيدَ في حَلْوى
وأثوابٍ جديدَهْ ؟
أتظنُ أنَّ العيد تَهنئةٌ
تُسطَّر في جريدهْ
غِبْ يا هلالْ
واطلعْ علينا حين يبتسم الزَّمَنْ
وتموتُ نيرانُ الفِتَنْ
اطلعْ علينا
حين يُورقُ بابتسامتنا المساءْ
ويذوبُ في طرقاتنا ثَلْجُ الشِّتاءْ
اطلع علينا بالشذا
بالعز بالنصر المبينْ
اطلع علينا بالتئام الشَّملِ
بين المسلمينْ
هذا هو العيد السعيدْ
وسواهُ
ليس لنا بِعيدْ
غِبْ يا هلالْ
حتى ترى رايات أمتنا ترفرفُ في شَمَمْ
فهناكَ عيدٌ
أيُّ عيدْ
وهناك يبتسم الشقيُّ مع السعيدْ

.................................


تلكَ ... وذاك

سيبقى فيهم الأمل بيومِ نصرٍ ليس ببعيد وعلى اللهِ ليس بعزيز ...
بيومٍ تُغَردُ فيه الطيور من جديد ...
و تُشرقُ الشمسُ في صباحِ يومِ عيد ...
والأرض تنشرُ أريجها بعبق النصر الأكيد ...

كلام شاعري كتيييير
كل عام وانتي بخير