أمل وسط الأشواك

أمل وسط الأشواك..
هذه القصة حدثت مع صديقة أختي في المواساة
كان يومي الأول في المشفى أحسست بنفسي غريبة عن هذا المكان أحسست بالخوف دون أن أعرف لم
وكأني لست طبيبة ...من المفروض أن أكون جزءا" من هذا المكان
شعرت برائحة الأدوية والمعقمات تخنقني
أصوات المرضى المتأوهين جعلتني أعاني صداعا" مؤلما" ترافق مع آلام روحي
أطفال ...أمهات ...شيب وشبان ...من كل الفئات والأصناف ...اشتركوا في المرض ...والفقر ...
تناثروا على الأسرّة تعلو وجوههم صفرة المرض
لم استطع إلا الوقوف متسمرة ...لا ادري كم بقيت واقفة في مكاني وأنا لست في مكاني فأفكاري حملتني إلى عالم آخر ..أيقظتني آلام قدمي اللتين بدأتا بالصراخ معلنتين تعبهما .
بحثت عن مكان استطيع الراحة فيه ...شعرت بالآهات تلاحقني .
دخلت إحدى الغرف التي كانت ساكنة بعكس سواها ...جلست على أحد الأسرة بجوار طفلة ...وأخذت أخاطب نفسي ((إذا بقيت هكذا فلن أتعلم شيئا"...))الهم ملا قلبي ...شعرت بقلة الحيلة ....ضعفي يمنعني من ممارسة عملي ...
صوت ملائكي قطع علي خلوتي :هل يمكنك أن تخبريني متى سأغادر المشفى ؟؟اشتقت لقطتي ...
استدرت إلى مصدر الصوت لتعانق عينيّ تقاسيم أجمل وجه طفولي رأيته في حياتي ...سلبتني اللب ...
تهت في عينيها الزرقاوين ....كانتا قطعتين من سماء تنزلتا لتسكنا وجها" لؤلؤيا"تزينه زهرتا جلّنار ..
أدهشني جمالها ...وأبعدني لوهلة عن جو المشفى الكئيب ...عاودت سؤالي :أرجوك أتعرفين متى سأغادر ؟؟
أخذت ملفها وقرأته لأرى ما مرضها وصدمت ..ابيضاض دم ...
يا الهي ما زالت في عمر البراعم الصغيرة التي لم تتفتح بعد لتعانق شمس الحياة ...كم هي صغيرة ..
لم ادر بم أجيبها ...صمتّ للحظات ..لا أعرف ماذا افعل ...ماذا أقول ..!!
هل أغادرها دون أن انبس ...أم أقول لها الحقيقة ...أنت مصابة بمرض سيقتلك قريبا"...قريبا"جدا"..
سيسرق الموت روحك ويرسلها إلى الجنة لتحلقي هناك ....وجمالك سيرحل في سماء عينيك إلى اللانهاية ...
مازالت صغيرة على الحزن ...على الحقيقة ...
تمالكت نفسي وخرجت من متاهتي بكذبة .
تصنعت الابتسامة لأقول لها أنت مصابة بحمى ستزول قريبا"وتعودين إلى قطتك .
وما إن قلت ذلك حتى هرعت خارج غرفتها وأنا تائهة أدور في دنيا مظلمة ...يالضعفي ..من أول يوم وأول حالة ...
وجدت نفسي أعيش لحظات من البكاء ....دموع رفضت البقاء ضمن أكنتها ...
مرّ الوقت سريعا"وأنا مازلت تائهة في عالم من كوابيس .
عدت مساء"إلى منزلي وأنا أعيش حزنا" إحباطا".
صورة الفتاة لا تفارقني ...دخلت محراب ربي لأستعيد شيئا" من سكون نفسي ولكن صورتها مازالت متشبثة بذاكرتي ترفض أن تغادرها ...حتى أنها زارت أحلامي في تلك الليلة ...
جاء الصباح ثقيلا"...تصنعت الشجاعة وحاولت أن ادخل التفاؤل نفسي المضطربة ...إلا أني بقيت خائفة من العودة إلى ذلك المكان ...الذي يدعى ((مشفى ))
ولكنه بعيد كل البعد عن ذلك فهو لا يشفي وإنما يساهم بسرقة أرواح الآخرين لكي ترسل إلى السماء وتزج الأجساد في القبور مغادرة دنياها إلى الأبد ...ولا ينجو إلا كل صاحب حظ سعيد وله في الحياة بقية
ارتديت ثيابي ببطء وأنا أخاطب نفسي :أمامك رسالة تؤديها ...لتكوني رحمة لهؤلاء الذين يتمنون الرحمة .
ما إن وصلت المشفى حتى توجهت إلى غرفة تلك الصغيرة كانت تتأوه بصوت ناعم وبمجرد أن رأتني ابتسمت ...رغم كل آلامها كانت عيناها تحملان بريقا"رائعا"..اقتربت منها وداعبت شعرها الأبنوسي الذي هرب من سواد الليل ...وهمست :كيف تشعرين ؟؟
أجابتني بثقة :أنا بخير ...أريد أن أشفى بسرعة لأعود للبيت ...قطتي ولعبي بانتظاري ...
وكم سيطول الانتظار ..شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي ..كانت كلماتها وهجا"من شعلة نار ...قلت لها :أجل ستشفين وتعودين قريبا"...
مع كل يوم يمر كنت استمد الشجاعة منها وأمارس عملي بثقة وكلي أمل أن أعيد لمرضاي جزءا" من أمل تاه مع المرض ...
أصبحت زيارتها أولى واجباتي اليومية ...المرض يشتد عليها وطأة ومع ذلك لم تختفي تلك الابتسامة الجميلة وذلك البريق الرائع الذي تنبلج عنه عيناها .
رغم أنها وحدها مع علاج غير مجد غير شاف في مشفى لا يصلح لبني الإنسان ...صمدت ....المرض يغتال طفولتها مع كل لحظة ولكنها لم تسمح له باغتيال ابتسامة ...الألم يزداد ويزداد وهي تقاوم
المرض أقوى منها...انهارت ...جاء الموت ليأخذ روحها البريئة التي لم تدنسها الحياة بعد ...لن تتفتح براعم طفولتها ....لن تصل الربيع ....خريفها جاء مبكرا"....
جلست بقربها في آخر ساعات لها أغالب البكاء ويغالبني ...بالكاد كانت تتنفس ...المهدئات سرت في جسدها الصغير فكانت تنام قليلا"ثم تفتح عينيها اللتين لم تفقدا البريق بعد ..الضوضاء حولي تزول مع سكرات الموت التي جعلت السكون يضم الكون حولنا ...
كان الليل قد أسدل جناح سكينته ...نجومه تناثرت كلآلئ ضلت عن أصدافها والقمر غادر صدر السماء ربما كان يدري بأنها مازالت هاهنا تضيء الليل العاتم ....الدنيا ضبابية رطبة ....
الزهرة اليتيمة على النافذة أثقلت بقطرات الرطوبة وانحنت باكية كانت تبكي صاحبتها ...
رغم تعبها همست لي :إني مسرورة اليوم ...عجبت وسألتها لم ؟؟فأجابتني :اليوم سيغادرني الألم ...الملائكة سيأتون لأخذه بعيدا"عني ...لقد أخبرتني ماما باني سأستطيع التحليق كحمامة بيضاء ...
لطالما تمنيت أن أصبح حمامة بيضاء ...
غصصت وشعرت باني اختنق بعبراتي ...
حضنت رأسها بين ذراعي ...فابتسمت لي وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم ....سهرت بقربها ارقب أنفاسها التي تباطأت مع كل لحظة ...انبلج الصباح ولكن سماء عينيها لن ترى شمسه ...لقد أظلمت إلى الأبد ...
ماتت ...وتلك الابتسامة لم تفارق وجهها ...بدت كالحمامة التي تمنتها ...حمامة نائمة ...كأنها لم تمت .
حتى في آخر لحظاتها مع اشد حالات ألمها لم تبك بل ابتسمت وحلمت بالطيران بان تخفق بجناحيها في رحاب الجنة ...
عاشت المرض مع ابتسامة ..استقبلت الموت بابتسامة ...ودعت الدنيا بابتسامة
علمتني أن كل حزن ....كل ألم ...حتى الموت يواجه بالأمل ...أمل جسدته ابتسامتها الملائكية ...
سنين مرّت ولكني كلما شعرت بالحزن بالضيق تذكرت ابتسامتها ...وتابعت حياتي
Sad

Admin عدد المساهمات : 1572 تاريخ التسجيل : 09/08/2009

جميلة جداً ..................

تابعي يا راما كتاباتك .... جعل الله في قلمك الأمل والخير للناس

وفقك الله ورعاك

Wink

قصه مؤثرة جدا
لقد دمعت عيناي
وأرجو لك مستقبلا مشرقاً في كتاباتك
أتمنى لك كل خير و سعاده
وكما قالت الآنسه تابعي كتاباتك...................
جزاكِ الله كل خير [i]

» وردة بين الأشواك ..........