أين تولد أحاسيسك؟

Admin عدد المساهمات : 1572 تاريخ التسجيل : 09/08/2009

م

معرفة الذات قوّة
أين تولد أحاسيسك؟

الكاتب والمحاضر العالمي ورائد التنمية البشرية
د. إبراهيم الفقي

ضمن هذا المحور نتابع في حديثنا عن مصادر الأحاسيس.

هناك ثلاثة مصادر أساسية للأحاسيس هي: الإدراك، والتخيّل، والذاكرة.

أوّلاً: الإدراك

ويعدّ أوّل مصدر من مصادر الأحاسيس. فلا يمكن أن يحدث شيء إلاّ عندما تدركه وتضفي عليه معنىً ثمّ تفكر في هذا المعنى، ثمّ تركّز عليه. ثمّ تتحرّك الأحاسيس التي تثير السلوك. ولذلك يقال: غيّر إدراكك تتغيّر حياتك.

الإدراك يأتي في المرتبة الأولى. فعندما يقول لك شخص ما كلمةً معينة تثير فرحك أو غضبك فإنّ ذلك يحدث لأنّك أدركت في هذه الكلمة معنىً أثار في داخلك مشاعر السعادة أو الغضب.

معنى ذلك أن السعادة والتعاسة قرينا الإدراك، فإدراكك للسعادة يعطيك معنىً لها ويجعلك تتحرّك نحوها بهذا المعنى، وإدراكك للتعاسة يعطيك كذلك معنىً يجعلك تتجنّبها بذلك المعنى الذي تعرفه.

إدراك المرء للشيء هو بداية كل شيء، فأوّل سبب من أسباب الأحاسيس -سلبيةً أو إيجابيّة- هو الإدراك. لأنّه لن يكون من دونه أي معنى. وعندما نتدبّر قوله تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلّها) نجد أنّها تلفت انتباهنا إلى أنّه يجب أن نعرف الأسماء حتّى نعرف معناها، فإذا تعلّمت معنىً دون اسم له فإنّك سرعان ما تنساه لأنّه لا عنوان له.

إنّ إدراك الأمور هو بداية تغييرها للأفضل.

ثانياً: التخيّل

قد تسبّب عملية التخيّل إفراز الجسم للأدرينالين، ولا يستطيع الإنسان أن يحيا دون القيام بهذه العملية. وقد ذكر في التوراة "إن لم توجد الرؤية تنتهي حياة الإنسان" لأنّ الرؤية توجّه سلوك الإنسان، ولا تنبع الرؤية إلاّ من التخيّل الذي يتحوّل إلى تصوّر. فالإنسان يفكر باستخدام الصور.

يقول جورج برنارد شو: إنّ التخيّل أقوى من المعرفة لأنّه يتجوّل بك عبر الماضي والمستقبل. في حين أنّ المعرفة تنبع من معلوماتك المستقاة من الماضي فقط.

فالتخيّل يتعامل مع لدى المرء من معرفة فيحوّلها إلى معرفة جديدة ويسرح بالفرد في عالم المستقبل ويصوّر له أحداثاً لم تقع بعد.

وقد يغوص التخيّل بالمرء في أغوار الماضي فيصوّر له أحداثاً وقعت من قبل وتسبّبت في مضايقته ، فيعاوده هذا الإحساس من جديد، وقد يقفز التخيّل به إلى عالم المستقبل كذلك ويصوّر له أحداثاً لم تقع بعد، وقد تكون تلك الأحداث سيئةً فتسبّب له الضيق والحزن ، أو تكون أحداثاً جيدة فتسبّب له الانشراح والسعادة.

التخيّل أحد مصادر الأحاسيس، وهناك إستراتيجية تسمّى "أوتوجينِك Autogenic" أنا أسمّيها "أتوجينك أكسرسيز، أي تمرينات الأوتوجينك" تقوم على التخيّل. وأوّل من طرق هذا الموضوع رجل يدعى إيميل كنمي –سويسري الجنسية- حيث استخدم هذه الإستراتيجية في علاج مرضاه وحقّق نتائج نجاح وصلت إلى 24% لكن مؤسسة الأطباء فصلته لأنها رأت أنه يتناول الموضوع بطريقة غير أكاديمية قد تسبب الفوضى.

بعد ذلك بعشر سنوات ظهر عالم ألمانيّ وحاول ضبط ما قدمه إيميل كني من نتائج وقدّم إستراتيجية تسمّى "Progressive Relaxation" أي الاسترخاء بطريقة مستمرة، حتى يصل الجسم إلى مرحلة الألفا.

كما قدّم إستراتيجية أخرى تسمّى التصوّر الإبداعي. وحينما يتبع المرء هاتين الإستراتيجيتين مع التأكيدات التي تسمّى Auto Suggestions تصل النتائج إلى 34%، وسمّى هذه المجموعة Autogenics، مختاراً اسماً ذا طابع طبّي حتى لا يتعرّض لمساءلة مؤسسة الأطباء، ثم أخذ الناس في استخدامها.

التخيّل موردٌ لا ينضب لبناء الذات بالذات
ويكفي أن نعلم أنّ 50% من تدريبات الرياضيين العالميين مثل محمد علي كلاي، أو آندرو آجاسي وغيرهما يستخدم فيها الـ Autogenics. حيث يغلق لاعب السلة –مثلاً- عينيه ويتخيّل أنّه يلقي بالكرة في السلّة ويحدّد مكانه والمسافة بينه وبين السلّة، وبضبط ذلك يخزّن المخّ هذه المعلومات، وهكذا يصبح اللاعب متدرّباً على ذلك داخليّاً.

نستطيع أن نستخدم هذه الإستراتيجية مع الأحاسيس. وذلك بأن يدرّب الفرد نفسه مقدّماً. فيغلق عينيه ويتخيّل نفسه وهو يتعامل مع شخص صعب المراس لا يستطيع عادةً التعامل معه، ثم يتخيّل نفسه وهو يتعامل مع هذا الشخص بطريقة متّزنة في قوله وفعله، ومن ثمّ يبدأ المخ في تخزين هذه البرمجة الجديدة للتعامل.

فعندما يرى الفرد نفسه وهو يتعامل مع ذلك الشخص بالطريقة الجديدة فإنّه عندما يلقى ذلك الشخص حقيقةً يجدُ نفسه أمام مسارين: البرمجة القديمة والبرمجة الجديدة، وبهذا نكون قد كسرنا تركيبة التجربة القديمة وأعدنا تشكيلها.

ونحن نعلم أنّ العقل يقوم بانتقاء الأفكار حسب ترتيب معين. فهو يتعامل أوّلاً مع أقوى فكرة مرتبطة بأقوى إحساس، ثم التي تليها، وهكذا. فإذا كانت الفكرة التي يريد الإنسان أن تسيطر عليه هي أن يتحكّم في أحاسيسه ويضبطها وكانت هذه الفكرة مرتبطة بأقوى الأحاسيس فإنّ العقل يتعامل معها أوّلاً.

وبالتالي حين يكون في موقف ما فإنّ أحاسيسه تعتمل داخله بتلقائيّة ولكنَّ العقل يختار منها واحدةً فقط ويقوم باستبدال البرمجة الحديثة التي ارتبطت بفكرة ألحّ عليها الفرد ذهنياً وذات إحساس أقوى بالبرمجة القديمة، ومنه تتكوّن عادة جديدة تحل محل أخرى قديمة، ويصبح الفرد حين يتعامل مع الشخص صعب المراس –الذي تحدّثنا عنه آنفاً- متّزناً، لأنّه قام بما نسمّيه: "التدريبات الذهنيّة

» تخلّص من أحاسيسك السلبية قبل أن تتخلّص منك