تحليل المعاني
حتّى نفهم ما يقال وليس ما نريد أن نفهم
استيعاب المعاني الحرفية واستخدام وتقييم التعاريف
من مشروع تطوير التعليم المنجز والمقرّر في مؤسسات هونغ كونغ التعليمية بإشراف
الدكتور جو لاو والدكتور جوناثان تشان
لماذا ينبغي أن نقول ما نعني ونفهم ما يعنيه الآخرون؟مقدرة التفكير بوضوح هي المكوّن المحوري للتفكير النقديّ. فحتّى نجيب على سؤال أو نقيّم زعماً لا بدّ لنا من أن ندرك حقاً ماذا يعني ذلك السؤال أو الزعم. وحتّى نتواصل تواصلاً دقيقاً ونتجنّب سوء الفهم يجب أن نحترس من الغموض أو التشابُك.
بالتأكيد هنالك الكثير من النصوص التي لا يلزم فيها الوضوح والدقة أو حتّى لا تستحبّ أبداً، فالكثير من الطرف ومن قصائد الشعر إنّما تقوم روعتها على استغلال غموض اللغة. وفي بعض الأحيان نقطع وعوداً غائمة حتّى نترك لأنفسنا المزيد من المرونة وحرية التصرّف مستقبلاً.
ولكن هناك أيضاً الكثير من المواقف التي يصبح التفكير الواضح وتحليل المعنى مطالب مهمةً لا غنى عنها، مثل:
• لدى تناول الكثير من القضايا المجرّدة فإنّ المطلب الأوّل هو توضيح المصطلحات الأساسية أو المفاهيم.
مثلاً: لتناول مسألة عدم انسجام القيم الآسيوية مع حقوق الإنسان لا بدّ لنا أوّلاً من التوضيح الدقيق للمقصود "بالقيم الآسيوية" و"حقوق الإنسان"
• تطوّر العلم يقتضي تولّد نظريات علميّة ومفاهيم جديدة. وحتّى يمكننا رؤية كيفية استخدام هذه المفاهيم في التفسيرات والافتراضات العلمية لا بدّ لنا من ان نرسم لها تعريفاتٍ صحيحةً وافية.
• يحتاج المجتمع إلى قواعد وتشريعات لتنسيق وضبط السلوكات المختلفة. ومجموعة القواعد الناجحة ينبغي أن تكون واضحة الصياغة حتّى لا تكونَ سبباً في توليد النزاعات وحتّى يمكن استخدامها في حل النزاعات، وحتّى يعرف الناس معرفةً مستقرّةً السلوك المقبول المنتظر منهم.
• مهارات التواصل الممتازة تقتضي القدرة على توصيل الرسائل المؤدّية للمعنى المقصود، واستيعاب المعنى الكامن فيما قيل وفيما لم يُقل.
إدراك المعاني الحرفيّةالمعنى الحرفيّ هو أحد الخصائص المهمّة في التعبيرات اللغوية. تقريباً، يمكن القول إن المعنى الحرفيّ لمجموعة مترابطة من الكلمات تقرّره السمات القواعدية الملاحظة في كلٍ من تلك الكلمات، والمعاني المصطلح على ربطها بها.
إن المعنى الحرفي لأيّ بيان ينبغي تمييزه عن مغزاه الحواريّ conversational implicature. (المغزى الحواريّ: هو المعلومات المؤدّاة ضمنيّاً في سياق حواريّ معين، مبتعدةً أومفارِقةً تماماً لمعنى المقولة الحرفيّ)
مثلاً: لنفترض أننا نسال صديقنا باسلاً "ألا تحبّ الذهاب معنا إلى النزهة؟" ثم نسمعه يقول "ماذا؟ إنّني مرهق جداً.. بل محطّم!" في هذا المثال نلاحظ أنّنا نستنتج ببساطة أن صديقنا باسلاً لا يريد الذهاب إلى البستان، وذلك على الرغم من أنّ هذا الاستنتاج ليس متضمّناً في المعنى الحرفيّ لمقولته وإنّما أوصله إلينا توصيلاً ضمنيّاً.
وفي مثال آخر لنفترض أنّ شيماء تخبرنا أنّ باسلاً "يحبّ الكتب". للوهلة الأولى نفهم أن شيماء تعني أنّ باسلاً يحبّ القراءة، وقد يغيب عن بال كثيرٍ منّا أن هذا معنى ضمنيّ حواريّ وليس جزءاً من المعنى الحرفيّ لما قالته شيماء، وهكذا يفاجأ هؤلاء عندما يعرفون أن باسلاً يحب الكتب لأنّه يعتبرها وسيلةً جيدةً للاستثمار أو لأغراض أخرى لم تخطر في بالهم. ومع اختلاف الحقائق هذا يبقى قول شيماء الحرفيّ صحيحاً.
يلقي المثال الأخير الضوء على نقطة مهمة هي أننا عندما نريد أن نمتحن حقيقة مقولةٍ معيّنة
فإنّنا ينبغي أنّ نمسك بمعناها الحرفيّ وليس بمغزاها الضمنيّ الحواريّ، وتبدو أهمية هذا الأمر خصوصاً في السياق القانونيّ
إنّ فحوى العقود القانونية تقدّم نموذجياً من خلال المعاني الحرفيّة لمواد العقد، وعند نشوب نزاع حول العقد فإنّه يسوّى بالاستناد إلى المعاني الحرفية لنصوص العقد وليس بناءً على تصوّر هذا الطرف أو ذاك للمعاني الضمنيّة التي يمكن أن تحملها تلك النصوص.
أمثلة على استكشاف المعاني الحرفيّة:
• في السطور التالية رسالة توصية وتعريف مكتوبة لطالب. اقرا كلماتها وتأمّل: هل ترى كيف أنّ المعنى الحرفيّ لهذه الرسالة لا يقول "إنّه طالب جيدٌ ومجدّ"؟ تقول الرسالة: إن مهارات هذا الشاب ينبغي للمرء رؤيتها حقيقةً حتّى يصدّقها، وسوف يدهشكم مقدار ما لديه من معارف.
من الصعب جداً العثور على شخصٍ بمقدراته ذاتها. لقد ترك انطباعاً عميقاً لدى كلّ المدرّسين في القسم. وسوف تكونون محظوظين إن تمكّنتم من جعله يعمل لديكم.
• عندما نريد التمييز بين المعاني الحرفيّة لمقولتين، فإنّ أحد الطرق هو التفكير في مواقف يكون فيها أحد البيانين صحيحاً والآخر خاطئاً. أو التفكير في التورّطات المختلفة التي يمكن لكلٍ منهما التوصيل إليها. طبّق هذا الأسلوب على كلّ زوجٍ من البيانات التالية:
1-
أ- سأحاول الحضور
ب- سوف أحضر
2-
أ- يُعدّ هذا أقدم المباني في حرم الجامعة
ب- يعد هذا من أقدم المباني في حرم الجامعة
3-
أ-قريباً جداً سيموت سوبرمان
ب- قريباً جداً قد يموت سوبرمان
4-
أ- يمكن إثبات صحة هذا الزعم
ب- لا يمكن إثبات خطأ هذا الزعم
• تأمّل في هاتين المادّتين اللتين قد تصادفهما ضمن عقد إيجار. كيف يمكنك تبيين الفرق بين معنييهما الحرفيّين؟
1- بعد اثني عشر شهراً يمكن إنهاء العقد بموجب إنذار مدّته شهران.
2- بعد اثني عشر شهراً يمكن تقديم إنذار مدّته شهران وإنهاء العقد بموجبه.
ترّيّث ولا تتعجل الاطلاع على الإجابة التالية.
الإجابة:
البيان الثاني يقول إن الإنذار بإنهاء العقد لا يمكن توجيهه إلاّ بعد اثني عشر شهراً. و عملياً يعني هذا أن المدّة الدنيا لعقد الاستئجار هي 14 شهراً.
ويختلف هذا عن البيان الأوّل الذي ينصّ على إمكانية إنهاء العقد بعد اثني عشر شهراً شريطة توجيه إنذار قبل شهرين. ليس في هذا البيان ما يلزم بتوجيه الإنذار بعد اثني عشر شهراً، وهكذا فإنّ المدّة الدنيا للعقد حسب هذا البيان هي اثنا عشر شهراً شريطة توجيه الإنذار بعد عشرة أشهر على الأكثر.
استخدام وتقييم التعاريف:نرى جميعاً كيف تؤدّي ضبابية المعاني وتشابكها إلى عرقلة التفكير السليم وإعاقة التواصل المثمر. وهنا تبرز التعاريف definitions من بين الطرق المختلفة المفيدة في توضيح المعاني. يتكوّن التعريف من جزأين: المعرَّف والمعرِّف. المعرَّف هو الكلمة او المفهوم المراد تحديده، والمعرِّف هو مجموعة الكلمات أو المفاهيم التي يفُترض من اجتماعها تقديم المعنى ذاته الذي يحمله المعرَّف. مثلاً: في تعريف "الأعزب" على أنّه الرجل غير المتزوّج. "الأعزب" هو المعرَّف وعبارة –الرجل غير المتزوّج- هي المعرِّف.
ويمكن تقسيم التعاريف إلى أربعة أنواع هي:-
التعريف النقليّ:يدعى التعريف النقليّ أو الإخباري reportive definition أيضاً بالتعريف المعجمي lexical definition. إنّه يُخبِر أو ينقل المعنى الموجود للكلمة المعنيّة وكيفية استخدامها في مجال معيّن. ومن الأمثلة على هذا التعريف تعريف"الأعزب" الذي مرّ سابقاً، وتعريف "العدد الأوّلي" بأنّه: العدد التام الذي لا يقبل القسمة دون باقٍ على أيّ عددٍ تام آخر عدا نفسه أو الواحد.
يجب أن يقتنص التعريف الإخباريّ الاستخدام الصحيح للكلمة المعرّفة. ولكن كيف يمكننا ان نعرف ما هو هذا المعنى الصحيح؟ يعتقد كثير من الناس أن المعجم دليلٌ كافٍ وافٍ في إيجاد التعاريف الإخباريّة، وهذا مفهومٌ فيه خطأ، لأسبابٍ عّدة.
أوّلاً: هناك كلماتٌ كثيرة في اللغة يصعب –إن لم نقل يستحيل- تعريفها. ومن الأمثلة على ذلك أسماء الألوان. قد يقول المعجم إن "الأحمر" هو لون حبة الطماطم الناضجة، ولكنّ هذا كما نعرف جميعاً ليس ما تعنيه كلمة "أحمر". إن كلمة "أحمر" لا تعني الزرقة حتّى لو أصبحت فجأةً كل الطماطم الناضجة زرقاء. وتوضيح الأحمر على أنّه "ظلّ لونيّ معيّن" ليس كافياً ايضاً لتمييز اللون الأحمر عن الألوان الأخرى.
ثانياً: إن الهدف الرئيس للمعاجم العامّة كثيراً ما يكون تقديم مؤشرات تكفي لمعرفة الاستخدام الرئيس للكلمة حتّى يمكن للمرء استخدامها استخداماً صحيحاً في مواقف حياته المعتادة. وبسبب ضيق المجال فإن التعاريف قد لا تحيط إحاطةً تامة بكل المعاني والاستخدامات الدقيقة للكلمات.
ثالثاً: بعض الكلمات التقنية تستخدم في مجالات تخصّصيّة، وما يرد بشأنها في المعاجم العامّة قد لا تتوفّر فيه الدقّة المطلوبة. وهنا لا بدّ من الرجوع إلى معجمٍ تخصّصي يتناول الميدان الذي تستخدم فيه هذه الكلمة.
-
التعريف الاتفاقي:لا يهدف التعريف الاتفاقيّ stipulative definition إلى الإخبار بمعنى الكلمة الموجود حالياً، وإنّما يسعى لربط معنىً جديد بكلمة معينة موجودة من قبل، أو مصنوعةٍ خصّيصاً لهذا المعنى. وفي حال كانت الكلمة موجودةً من قبل فإنّ المعنى الجديد المنسوب لها يمكن أن يختلف مع معانيها المعجميّة السابقة ولكنَ هذا الاختتلاف ليس أمراً حتمياً.
وبسبب أنّ المتكلّم هو من يفترض المعنى الجديد للكلمة الموجودة فعلاً أو للكلمة الجديدة المُخترعة فإن التعريف الاتفاقيّ لا يمكن إلاّ أن يكون صحيحاً، وإنّما يمكن أن يكون مختلفاً عن التعاريف الأخرى وحسب. وبعد انتشار هذا التعريف وقبوله ودخوله المعاجم وخطابات الأفراد والمؤسسات المرجعية فإنّه يصبح تعريفاً معجمياً.
تفيد التعاريف الاتفاقية الممنوحة لكلماتٍ موجودة من قبل او مُخترعة في صياغة ومناقشة الحجج النظريّة، أو التعبير عن قضايا معيّنة. مثلاً:
في سياق حديثه عن التفكير الاستقرائي استخدم الفيلسوف الأمريكي نيلسون غودمان كلمة "الأخزق" ووضع لها تعريفاً اتفاقياً على أنها خاصّية الشيء الذي يبدو أخضر عند ملاحظته قبل لحظة مستقبلية معيّنة، ويبدو أزرق لدى ملاحظته بعدها. ليس لكلمة "أخزق" معنىً في اللغة، وهكذا يصنع غودمان كلمةً جديدةً ويعطيها تعريفاً اتفاقياً.
وباختصار يمكن القول إن التعريفات الاتفاقية تستخدم لتيسير التواصل والنقاش، وللتعبير عن المعارف والأشياء الجديدة.
-
التعريف المُدقِّق:يمكن اعتبار التعريف المُدقِّق precising definition مزيجاً من التعريف الإخباري والتعريف الاتفاقيّ. ويهدف هذا التعريف إلى جعل المعنى المعجميّ للكلمة أكثر دقةً من أجل هدفٍ معيّن. مثلاً: لنفترض أن شركة نقل تريد تقديم حسم "للمسنّين". لو قالت الشركة إنّها تقدم حسماً مقداره كذا للمسنّين فسوف ينشأ عن ذلك الكثير من الاختلافات والنزاعات بسبب أنّه لا يعرف أحدٌ كم ينبغي أن يكون عمر المرء حتّى يعتبر مسنّاً. وهكذا قد تجد هذه الشركة تعرّف المسنّ على أنّه من تجاوز عامه الخامس والستّين، وهو بالطبع أحد التعاريف العديدة الممكنة "للمسنّ"
أو انظر إلى الحالة عندما يتجادل شخصان حول امتلاك الحيوانات من طيور وقردة وغيرها اللغة او عدم امتلاكها.
لحلّ هذا الجدال ينبغي علينا أوّلاً تعريف اللغة. إن كنّا نقصد "باللغة" أيّ نظام للتواصل، فلا ريبَ إذاً في أنّ الطيور والحيوانات تستخدم اللغات.
من ناحيةٍ أخرى، يمكن أن يكون المقصود "باللغة" معنىً آخر يتضمّن وجود أنظمةٍ توافقيّة مولِّدة لبناء الجمل ولتحديد واصطناع المعاني تتيح لمستخدم اللغة توصيل واستقبال المعلومات عن أشياء ومواقف غير موجودة، أو بعيدةٍ زمانياً أو مكانياً عن سياق الحوار، وعندئذٍ يمكن أن يخرج نظام الاتصال لدى كثير من الحيوانات عن كونه "لغةً".
-
التعريف الإقناعي:التعريف الإقناعي persuasive definition هو ذلك الذي يحشر في تعريفه لكلمةٍ معيّنة معنىً عاطفياً مدعّماً أو متنقّصاً لا تحمله الكلمة فعلاً. مثلاً: لدى تعريفه للإجهاض قد نجد أحد المعارضين للإجهاض يعرّفه على أنّه "جريمة قتل نفسٍ بريئة ما تزال في الرحم" يتضمّن هذا التعريف إشارةً سلبيّة، فكلمة "جريمة" تدلّ على أن الإجهاض قتلٌ اعتدائيّ، وهو يفترضُ أيضاً أنَّ الجنين المُجهَض نفسٌ بشرية.
إنّ تعريفاً كهذا مشحوناً بأحكام وتقييمات ذاتيّة لا يصلح في نقاش نزيه حول المشروعية الأخلاقية للإجهاض، وإن كان يصلح لشيء فإنّما يصلح أداةَ بلاغيّة لاستثارة بعض السامعين أو استمالتهم.
تقييم التعاريف:تعتمد معايير تقييم التعاريف على نوع التعريف الذي ننظر فيه. في التعريف الإخباريّ تبرز أهمية أن يلتقط التعريف التقاطاً دقيقاً استخدامات الكلمة المعرّفة. وبشكل خاص ينبغي ألاّ يكون التعريف مفرطاً في الاتساع ولا في الضيق.
وفي التعاريف الاتفاقيّة بما أنّنا نُنشيء المعنى الجديد إنشاءً فإنّ قضيّة الاتساع والضيق تصبح أقلّ أهميّة، ويبقى مطلوباً في التعريف الخلوّ من الدائرية –أي دخول المفهوم المراد تعريفه في تعريف نفسه- أوالتضارب أوالغموض أوالشحن بالأحكام والتحيّزات والتصوّرات الذاتيّة.
ولتجربة دقتك وسرعتك في ملاحظة علل التعاريف حاول عزيزي القارئ تقييم التعاريف التالية واختيار أحد هذه التقييمات: مُتضارب. دائريّ. مشحون. غامض. واسع جداً. ضيّق جداً. صحيح.
1- البندقيّة: جهاز يطلق مقذوفات
2- الفيزياء: الدراسة المنهجية للأشياء والعمليات والخصائص ذات الطبيعة الفيزيائيّة
3- الفتاة: تشير هذه الكلمة إلى أي أنثى صغيرة من البشر
4- الفلسفة: هي النور الذي يضيء أركان المعرفة المظلمة
5- الدين: ماورائيّات تستخدم لتشريب غير المتعلّمين وإخضاعهم لمبادئ وسلوكيات حاكمة
6- التمييز ضدّ شخص معيّن يعني: معاملته معاملةً ظالمةً دون مبرّر
الإجابات:
1- واسع جداً 2- دائريّ 3- صحيح 4- غامض 5- مشحون 6- واسع جداً